فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم فأصبحت وزهرها يابس هشيم
إذ هبت عليها الريح العقيم
كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم
فيصبح وهو بمعصية الله مظلم سقيم ذلك
فعل العزيز الحليم الخلاق العليم.
مسألة / ما مدى صحة القول الآتي: «ما عبدتُك شوقاً إلى جنَّتك، ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك»؟
الجواب: أن هذا قولٌ باطل لا يصح بل يجب عبادة الله تعالى بمقامات الإيمان الثلاثة المتلازمة، وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غير مُخِّل:
(١) أن العبادة الشرعية عند أهل السنَّة تشمل المحبة والتعظيم، والمحبة تولِّد الرجاء، والتعظيم يولِّد الخوف.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
العبادة مبنية على أمرين عظيمين، هما: المحبة، والتعظيم، الناتج عنهما: قال تعالى: (إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ) [الأنبياء: ٩٠]، فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة، والخوف.
ولهذا كانت العبادة أوامر، ونواهي: أوامر مبنية على الرغبة، وطلب الوصول إلى الآمر، ونواهي مبنية على التعظيم، والرهبة من هذا العظيم.
فإذا أحببتَ الله عز وجل: رغبتَ فيما عنده، ورغبت في الوصول إليه، وطلبتَ الطريق الموصل إليه، وقمتَ بطاعته على الوجه الأكمل، وإذا عظمتَه: خفتَ منه، كلما هممتَ بمعصية استشعرت عظمة الخالق عز وجل، فنفرتَ، (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) يوسف/ ٢٤.
فهذه مِن نعمة الله عليك، إذا هممتَ بمعصية وجدتَ الله أمامك، فهبتَ، وخفتَ، وتباعدتَ عن المعصية؛ لأنك تعبد الله، رغبة، ورهبة.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (٨/ ١٧، ١٨).
(٢) أن عبادة الأنبياء والعلماء والأتقياء تشتمل على الخوف والرجاء، ولا تخلو من محبة، فمن يرد أن يعبد الله تعالى بإحدى ذلك: فهو مبتدع، وقد يصل الحال به للكفر.
قال الله تعالى – في وصف حال المدعوين من الملائكة والأنبياء والصالحين -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) [الإسراء/ ٥٧]