للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُشْرَع الرضا بالمنهيّات كما لا تُشْرَع محبتها؛ لأن الله لا يرضاها و لا يحبها و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر .. و هؤلاء المنافقين يُبَيّتون ما لا يرضى من القول، بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم. .

فالرضا الثابت بالنص هو أن يرضا بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً، يرضا بما شرعه الله لعباده من تحريم حرامٍ أو إيجاب واجبٍ أو إباحة مباحٍ، يرضا عن الله سبحانه و تعالى و يرضا عن قضائه و قدره و يحمده على كل حالٍ و يعلم أن ذلك لحكمةٍ، و إن حصل التألم بوقوع المقدور ..

فإن قال قائل: لماذا يحمد العبدُ ربَّه على الضراء؟ إذا مسّه الضراء؟ .. فالجواب من وجهين:

(١) أن تعلم أن الله أحسنَ كل شيءٍ خلَقه و أتقنَه، فأنت راضٍ عما يقع في أفعاله؛ لأن هذا من خلقه الذي خلقه، فالله حكيم لم يفعله إلا لحكمةٍ بالغةٍ قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها.

(٢) أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك، و اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك.

(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: عجبت للمؤمن إن الله تعالى لم يقض له قضاء إلا كان خيرا له.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(عجبت للمؤمن إن اللّه تعالى) قال أبو البقاء الجيد: إن بالكسر على الاستئناف ويجوز الفتح على معنى في أن اللّه أو من أن اللّه

(لم يقض له قضاء إلا كان خيراً له) توجيهه ما زاده في بعض الروايات إن إصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر فإنه إن كان موسراً فلا يقال فيه وإن كان معسراً فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضى بما قسم وأما الفاجر فأمره بالعكس إن كان معسراً فلا إشكال وإن كان موسراً فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. قال الحرالي: من جعل الرضى غنيمة في كل كائن لم يزل غانماً.

و ليس ذلك إلا للمؤمن وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

(حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:" ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً".

<<  <  ج: ص:  >  >>