للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه، وظاهر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطته بشاشة قلبه لأن من رضي أمراً سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له والله تعالى أعلم.

فهذا حديثٌ عظيمٌ: فالمسلم في أذكار الصباح و المساء و في أذكار الأذان بعد " أشهد أن محمداً رسول الله " الثانية يقول: ((رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً)) ..

رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و الانقياد و التسليم و لذلك (فمن حصلت له هذه الأمور الأربعة: الرضا بربوبيته و ألوهيته سبحانه و الرضا برسوله و الانقياد له و الرضا بدينه و التسليم له فهو الصدِّيق حقاً ..

و هي سهلةٌ بالدعوى، و لكن ما أصعبها عند الامتحان!!!

(أما الرضا بالله: فيتضمّن الرضا بمحبته وحده و الرضا بعبادته وحده أن تخافه وحده ترجوه و تتبتّل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيره و تحب ذلك و تفرده بالتوكل عليه و الاستعانة به و تكون راضياً عما يفعل عز و جل.

ترضى بما قدّر و حكم .. حَكَم أن الزنا حرامٌ، و أن الربا حرامٌ، و أن بر الوالدين واجبٌ، و أن الزكاة فرضٌ، فيجب أن ترضى بحكمه ..

قدّر عليك أشياء من فقرٍ، و ضيق حالٍ، فيجب أن ترضى ..

(والرضا بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً: أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم لأمره و يكون أولى بك من نفسك، و أنه لو كان موجوداً صلى الله عليه و سلم و وجِّهَ إليه سهمٌ وجب عليك أن تتلقاه عنه و أن تفتديه بنفسك، و أن تموت فداءً له.

و ترضى بسنّته فلا تتحاكم إلا إليها ..

ترضى بسنّته فلا ترجع إلا إليها و لا تُحَكِّم إلا هي ..

(والرضا بالإسلام ديناً: فما في الإسلام من حكمٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فإنك ترضى عنه تماماً و ليس في نفسك أيّ حرجٍ و تُسَلِّم تسليماً كاملاً لذلك ولو خالف هواك و لو كان أكثر الناس على خلافه و لو كنتَ في غربةٍ و لو كانت عليك الأعداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكام الدين و تسعى لتنفيذها و إن خالفتَ العالم ..

(إمكان تحصيل الرضا واكتسابه:

مسألة: الرضا هل هو شيءٌ موهبيٌّ أم كسبيٌّ؟ أي: هل يُوهَبُ من الله أم يمكن للعبد تحصيله؟ هل هو فطريٌّ أم العبد يُحَصِّل هذا بالمجاهدة و رياضة النفس إذا روَّض نفسه؟!!

فصل الخطاب في هذه المسألة:

<<  <  ج: ص:  >  >>