أن الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه، موهبيٌّ باعتبار حقيقته ..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة ..
لأن الرضا آخر التوكل ..
بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ..
و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا ..
لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا، و بدونها لا يحصل الرضا،
و لذلك لو قال أحدهم: نريد تحصيل الرضا، نقول له: يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك ..
و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك ..
فالله ندب إليه و لم يوجبه (ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك) ..
فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا: رضا قبله، و رضا بعده ..
و كذلك الرضا من الله عز و جل عن العبد إنما هو ثمرة رضا العبد عن الرب سبحانه، فإذا رضيتَ عن الله رضي الله عنك ..
والرضا باب الله الأعظم و جَنة الدنيا و مُسْتَراح العارفين و حياة المحبين و نعيم العابدين وهو من أعظم أعمال القلوب ..
[*] قال يحيى بن معاذ لما سئل: متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟ قال: ((إذا أقام نفسه على أربعةِ أصولٍ يُعامِل بها ربه ..
يقول: إن أعطيتني قبلتُ، و إن منعتني رضيتُ، و إن تركتني عبدتُ، و إن دعوتني أجبتُ.
و الرضا إذا باشر القلب؛ فإنه يدل على صحة العلم و ليس الرضا و المحبة كالرجاء و الخوف، فمن الفروق أن أهل الجنة مثلاً لا يخافون في الجنة و لا يرجون مثل رجاء الدنيا .. لكن لا يفارقهم الرضا أبداً ..
فإن دخلوا الجنة فارقهم الخوف ((لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون)) ..
في الدنيا هناك خوف .. إذا دخلوا الجنة زال الخوف .. أما الرضا فلا يزول .. خارج الجنة وداخلها .. الرضا موجودٌ ..
الخوف و الرجاء في الدنيا ليس موجوداً عند أهل الجنة يفارقون العبد في أحوال ..
أما الرضا فلا يفارق العبد لا في الدنيا و لا في البرزخ و لا في الآخرة و لا في الجنة، ينقطع عنهم الخوف؛ لأن الشيء الذي كانوا يخافونه أمِنوه بدخولهم الجنة، و أما الشيء الذي كانوا يرجونه فقد حصل لهم، أما الرضا فإنه لا يزال معهم و إن دخلوا الجنة: معيشتهم راضيةٌ و هم راضون، و رضوا عن الله، و راضون بثوابه و ما آتاهم في دار السلام ..
مسألة: هل يشترط أن الرضا إذا حصل لا يكون هناك ألمٌ عند وقوع مصيبة؟!