للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣) مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها، ومن المعلوم شرعاً أن المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:

(حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الْمُتَشَبّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".

[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:

قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور، قال أبو عبيد وآخرون: هو الذي يلبس ثياب أهل الزهد والعبادة والورع ومقصوده أن يظهر للناس أنه متصف بتلك الصفة ويظهر من التخشع والزهد أكثر مما في قلبه، فهذه ثياب زور ورياء، وقيل هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له، وقيل هو من يلبس قميصاً واحداً ويصل بكميه كمين آخرين فيظهر أن عليه قميصين. وحكى الخطابي قولاً آخر أن المراد هنا بالثوب الحالة والمذهب والعرب تكنى بالثوب عن حال لابسه ومعناه أنه كالكاذب القائل ما لم يكن، وقولاً آخر أن المراد الرجل الذي تطلب منه شهادة زور فيلبس ثوبين يتجمل بهما فلا ترد شهادته لحسن هيئته والله أعلم.

والتحدث بالنعمة المأمور به ينبغي أن يكون ذلك في النفس وعند الآخرين ولكن إذا كان عند حاسديها فإن كتم ذكرها ليس من كفرها فهو لم يكتم ذكر النعمة شحاً بذلك وتقصيراً في حق الله لكن لدرء مفسدة وهي حسد صاحب العين وكيده وضرره ودفع الضرر من المقاصد الشرعية، وعليه يحمل الحديث الآتي:

(حديث معاذ في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان) بالكسر أي كونوا لها كاتمين عن الناس واستعينوا بالله على الظفر بها ثم علل طلب الكتمان لها بقوله

(فإن كل ذي نعمة محسود) يعني إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم فعارضوكم في مرامكم وموضع الخبر الوارد في التحدث بالنعمة ما بعد وقوعها وأمن الحسد وأخذ منه أن على العقلاء إذا أرادوا التشاور في أمر إخفاء التحاور فيه ويجتهدوا في طي سرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>