للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوصفهم بأعلى مراتب السخاء وكان ذلك فيهم معروفا وكان قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما من الأجواد المعروفين حتى إنه مرض مرة فاستبطأ إخوانه في العيادة فسأل عنهم فقالوا: إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدين فقال: أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزيارة ثم أمر مناديا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو منه في حل فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده وقالوا له يوما: هل رأيت أسخى منك قال: نعم نزلنا بالبادية على امرأة فحضر زوجها فقالت: إنه نزل بك ضيفان فجاء بناقة فنحرها وقال: شأنكم فلما كان من الغد جاء بأخرى فنحرها فقلنا: ما أكلنا من التي نحرت البارحة إلا اليسير فقال: إني لا أطعم ضيفاني البائت فبقينا عنده يومين أو ثلاثة والسماء تمطر وهو يفعل ذلك فلما أردنا الرحيل وضعنا مائة دينار في بيته وقلنا للمرأة: اعتذري لنا إليه ومضينا فلما طلع النهار إذا نحن برجل يصيح خلفنا: قفوا أيها الركب اللئام أعطيتموني ثمن قراي ثم إنه لحقنا وقال: لتأخذنه أو لأطاعننكم برمحي فأخذناه وانصرف، فتأمل سر التقدير حيث قدر الحكيم الخبير سبحانه استئثار الناس على الأنصار بالدنيا وهم أهل الإيثار ليجازيهم على إيثارهم إخوانهم في الدنيا على نفوسهم بالمنازل العالية في جنات عدن على الناس فتظهر حينئذ فضيلة إيثارهم ودرجته ويغبطهم من استأثر عليهم بالدنيا أعظم غبطة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فإذا رأيت الناس يستأثرون عليك مع كونك من أهل الإيثار فاعلم أنه لخير يراد بك والله سبحانه وتعالى أعلم

(تعريف الإيثار والفرق بين المؤاثرة والإيثار:

الإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه.

ومنزلة الإيثار مأخوذةٌ من قولهِ تعالى: (وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: ٩]

إن من أعظم الصفات التي يتصفُ بها المؤمن «صفة الإيثار»، ومن صِفات الكافر والفاسق والفاجر: «الأَثَرَةَ» الأثرة هي حب النفس، وتفضيلها على الآخرين، فهي عكس الإيثار،

<<  <  ج: ص:  >  >>