للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((قالَ ابن المبارك رحمه الله تعالى: سخاء النفسِ عمّا في أيدي الناسِ أفضلُ من سخاء النفسِ بالبذل .. الإنسان إذا تعففَ عن أموال الناس هذا أولُ مراتب الإيثار فإذا أعطاهم كانَ أرقى. .. «العطاء لا يُبنى إلا على التعفف تتعففُ أولاً وتُعطي ثانياً».

وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

((حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) قال: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. ثم أرسل إلى الأخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال: من يضيف هذا الليلة رحمة الله.؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: فعليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال: فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبح غدا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قد عجب الله عز وجل من صنيعكم.

(وقفة مع هذا الحديث العظيم:

إن المتأمل في الحديث العظيم بعين البصيرة ويمْعِنِ النظر فيه ويجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبه موقِعاً يجد أن هذا الحديث العظيم العجيب؛ الذي يبين حال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حيث جاءه رجل فقال: ((يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني مجهود)) يعني مجهد من الفقر والجوع، وهو ضيف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى زوجاته واحدة تلو الآخرى يسألها هل عندها شيء، فكانت كلّ واحدة تقول: ((لا والذي يعثك بالحق ما عندي إلا الماء)).

تسعة أبيات للرسول عليه الصلاة والسلام ليس فيها إلا الماء، مع أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو شاء أن يسيّر الله الجبال معه ذهباً لسارت، لكنه عليه الصلاة والسلام كان أزهد الناس في الدنيا، كل بيوته التسعة ليس فيها شيء إلا الماء.

فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((من يُضيف هذا الليلة)) يعني هذا الضيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>