للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فلا يوجد مؤمن إلا ويعلم أن النافع الضار هو الله سبحانه، وأنه تعالى يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب، وأن خزائن كل شيء بيده، وأنه تعالى لو أراد نفع عبد فلن يضره أحد ولو تمالأ أهل الأرض كلهم عليه، وأنه لو أراد الضر بعبد لما نفعه أهل الأرض ولو كانوا معه. لا يوجد مؤمن إلا وهو يؤمن بهذا كله؛ لأن من شك في شيء من ذلك فليس بمؤمن، قال الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

[يونس: ١٠٧].

فلا ينفع ولا يضر إلا الله تعالى {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: ٥٣]

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: ٦٧] سقطت كل الآلهة، وتلاشت كل المعبودات وما بقي إلا الله تعالى {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: ٦٧] {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} [الفتح:١١]

لا يسمع دعاء الغريق في لجة البحر إلا الله. ولا يسمع تضرع الساجد في خلوته إلا. ولا يسمع نجوى الموتور المظلوم وعبرته تتردد في صدره، وصوته يتحشرج في جوفه إلا الله. ولا يرى عبرة الخاشع في زاويته والليل قد أسدل ستاره إلا الله {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى {٧} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} [طه:٨]

(وهذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم،

قال تعالى: (يَأَيّهَا النّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ) [فاطر / ١٥]

فالعباد لا يملكون لأنفسهم شيئاً من ذلك كله، وأن من لم يتفضل الله عليه بالهدى والرزق، فإنه يحرمها في الدنيا، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه أوْبَقَتْه خطاياه في الآخرة (١).


(١) جامع العلوم والحكم لابن رجب رحمه الله ٢/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>