للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجميعُ الخلق مفتقرون إلى الله، مفتقرون إلى الله في كل شؤونِهم وأحوالِهم، وفي كلِ كبيرةٍ وصغيره، وفي هذا العصرُ تعلقَ الناسُ بالناسِ، وشكا الناسُ إلى الناس، ولا بئسَ أن يُستعانُ بالناس في ما يقدرون عليه، لكن أن يكونَ المُعتمَدُ عليهم، والسؤال إليهم، والتعلقُ بهم فهذا هو الهلاكُ بعينه، فإن من تعلق بشيٍ وكلَ إليه.

(والإنسان لا يستغني عن ربه طرفة عين ولا أقل من ذلك، ولهذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يردد كثيرا: " لا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

(حديث أبي بكرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين و أصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.

فقيراً جئتُ بابك يا إلهي ......... ولستُ إلى عبادك بالفقيرِ

غنياً عنهمُ بيقينِ قلبي ........... وأطمعُ منك في لفضلِ الكبيرِ

الهي ما سألتُ سواك عونا ...... فحسبي العونُ من ربٍ قديرِ

الهي ما سألتُ سواك عفوا ..... فحسبي العفوُ من ربٍ غفورِ

الهي ما سألتُ سواك هديا ..... فحسبي الهديُ من ربٍ بصيرِ

إذا لم أستعن بك يا الهي ...... فمن عونيِ سواك ومن مجيرِ

إن الفرار إلى الله، واللجوء إليه في كلِ حالٍ وفي كل كربٍ وهم، هو السبيلُ للتخلصَ من ضعفنا وفتورنا وذلنا و هواننا.

إن في هذه الدنيا مصائبَ ورزايا، ومحناً وبلايا، آلامُ تضيقُ بها النفوس، ومزعجاتُ تورث الخوفَ والجزع، كم في الدنيا من عينٍ باكيةٍ؟

وكم فيها من قلب حزين؟

وكم فيها من الضعفاءِ والمعدومين، قلوبُهم تشتعل، ودموعُهم تسيل؟ هذا يَشْكُ علةً وسقما، عزيزٌ قد ذل، وغنيٌ افتقر، وصحيحٌ مرض، رجل يتبرم من زوجه وولده، وآخرُ يشكُ ويئنُ من ظلمِ سيده.

وثالثٌ كسدة وبارت تجارته، شاب أو فتاة يبحث عن عروس، وطالب يشكو كثرة الامتحانات والدروس.

هذا مسحور وذاك مدين، وأخر ابتليَ بالإدمان والتدخين، ورابعُ أصابه الخوفُ ووسوسةُ الشياطين.

وذاك حاجةً وفقرا.

وآخر هماً وقلقا.

تلك هي الدنيا، تضحكُ وتبكي، وتجمعُ وتشتت، شدةُ ورخاءُ وسراءٌ وضراءُ.

وصدق الله العظيم: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ). [الحديد / ٢٣]

فارفع يديك وأسل دمع عينيك، وأظهر فقرك وعجزك، واعترف بِذُلِكَ وضَعْفَك.

(والدعاء سلاحٌ عجيب ٌ فَعَّال وسهمٌ نافذ لا يخيب:

<<  <  ج: ص:  >  >>