للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الحياة قد طبعت على كدر، وقلما يسلم الإنسان من خطر، مصائب وأمراض، حوادث وأعراض، أحزان وحروب وفتن، ظلم وبغي، هموم وغموم.

ويتقلب الناس في هذه الدنيا بين فرح وسرور، و شدة وبلاء، وفقر وغنى وتمر بهم سنين ينعمون فيها، وتعصف بهم أخرى عجاف، يتجرعون فيها الغصص أو يكتوون بنار البُعد والحرمان.

وهذه هي حقيقة الدنيا إقبال وإدبار فرح وحزن، شدة ورخاء، سقم وعافية إلا أن الله تعالى لطيف بعباده رحيم بخلقه، فتح لهم باباً يتنفسون منه الرحمة، وتنزل به على قلوبهم السكينة والطمأنينة، ألا وهو باب الدعاء.

ولا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه، كيف لا يكون كذلك وبيده سلاح لا كأي سلاح، سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق , إنه أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته، والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس, لا يملكه إلا المؤمنون الموحدون, إنه سلاح رباني، سلاح الأنبياء والأتقياء على مرّ العصور.

سلاح نجى الله به نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان , ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون, نجى الله به صالحًا, وأهلك ثمود, وأذل عادًا وأظهر هودَ عليه السلام, وأعز محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواطن كثيرة.

سلاح حارب به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أعتى قوتين في ذلك الوقت: قوة الفرس, وقوة الروم, فانقلبوا صاغرين مبهورين، كيف استطاع أولئك العرب العزَّل أن يتفوقوا عليهم وهم من هم, في القوة والمنعة, ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين المخبتين مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال ’ تلكم العبادة وذلكم السلاح هو الدعاء.

هذا السلاح يطفيء نيران الدبابات.

بل إن الاسرى يُفكون بهذا السلاح

جاء مالك الأشجعى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أُسر ابنى عوف فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إليه أن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله وكانوا قد شدوا قيده فسقط القيد فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها و أقبل فمر بغنم للعدو فاستاقها فجاء بها إلى أبيه وقص عليه الخبر فقال أبوه قف حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عنها، فلما أخبره بذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اصنع بها ما أحببت ونزل قول الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) (١)


(١) - ابن جرير فى تفسيره

<<  <  ج: ص:  >  >>