للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] قال ابن الجوزي في تفسيره زَادُ اَلْمَسِيرِ على الآية الكريمة {نَادَانَا} أي دَعَانَا، وقال الرازي: هذه اللفظة العظيمة {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} تدل على أن الإجابة من النِّعَمِ العظيمة، فسبحانه عبَّر عن ذاته بصيغة اَلْجَمْعِ فقال {نَادَانَا} والقَادِرُ العَظِيمُ لا يَلِيقُ به إلا الإحْسَانُ العظيم، وسبحانه أعَادَ صيغة الجَمْعِ في قوله {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} ليدل على تَعْظِيمِ تلك النِّعْمَةِ، لا سيما وقد وُصِفَتُ تلك الإجابة بأنَّها نِعْمَتُ الإجابة، والفَاءُ في قوله تعالى {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} يدل على أنَّ حُصُولَ هذه الإجابة مُتَرَتِبٌ على ذلك الدُّعَاءِ، وهذا يدل على أن الدُّعَاءَ بالإخْلاَصِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الإجَابَةِ (١)

(حديث سلمان في صحيح أبي داوود والترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا.

قال العلماء: لا يَخْفَى أنَّ الكَرَمَ والحَيَاءَ إذا اجْتمَعَا يَكْونُ صَاحِبْهُمَا كَمَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ أنَّ يَتْرُكَ العَطَاءَ مِنَ السَّائِلِينَ والضُّعَفَاءِ (٢)

ولله درُّ من قال:

أتهزأُ بالدعاءِ وتزدريهِ ... وما تدري بما صنع الدعاءُ

سهامُ الليلِ لا تُخطي ولكن ... لها أمدٌ وللأمدادِ انقضاءُ

(فالدعاء نعمةٌ عظيمة، وَمِنَّةٌ عميمة، امتن الله تعالى بها على عباده، حيث أمرهم بالدعاء، ووعدهم بالإجابة والإثابة.

وشأن الدعاء عظيم، ونفعه عميم، ومكانته عالية في الدين، فما استجلبت النعم بمثله، ولا استدفعت النقم بمثله؛ ذلك أنه يتضمن توحيد الله، وإفراده بالعبادة دون من سواه، وهذا رأس الأمر، وأصل الدين.

(فما أشد حاجة العباد إلى الدعاء، بل ما أعظم ضرورتهم إليه؛ فالمسلم في هذه الدنيا لا يستغني عن الدعاء بحال من الأحوال.

فإن كان راعيًا ولاه الله رعية فما أحوجه إلى الدعاء؛ كي يثبت الله سلطانه، ويعينه على استعمال العدل في رعيته، ويحببه إلى رعيته، ويحبب الرعية إليه.

وإن كان داعيًا إلى الله _ تعالى _ فما أشد حاجته لدعاء ربه، وسؤاله الإعانةَ، والقبول، والتوفيق، والتسديد؛ ليثبت على الحق، ويصبر على عثار الطريق ومشاقه، ولتصيخ له الأسماع، وتَصْغى إليه الأفئدة.


(١) بتصرف يسير عن تفسير الرازي على الآية (٧٥ ـ الصافات)
(٢) أنظر شرح سنن ابن ماجه للسندي، حديث رقم: ٣٨٥٥ ٠

<<  <  ج: ص:  >  >>