للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان مجاهدًا في سبيل الله _ فما أعظم حاجته للدعاء، الذي يطلب به النصر، ويستنزل السكينة والثبات في اللقاء، ويسأل ربه خذلان الأعداء، وإنزال الرعب في قلوبهم، وهزيمتَهم، وتفرق كلمتهم.

وإن كان مريضًا فما أشد فاقته وأعظم حاجته للدعاء؛ ليستشفي به من مرضه، ويسأل به كشف كربته، وأن يمن الله عليه بالشفاء والعافية.

وبالجملة فالمسلمون _ بل ومن في الأرض كلهم جميعًا _ بأمسِّ الحاجة للدعاء، وإخلاصه لرب الأرض والسماء؛ ليصلوا بذلك إلى خيري الدنيا والآخرة، فلن يهلك مع الدعاء أحد، فالسعيد من وفق لذلك، والمحروم من حرم لذة العبادة، أو أيس من رحمة الله وكان من القانطين، من وفق للدعاء فقد وفق للقول السديد، والعمل الرشيد.

عجبت لمن ترك الدعاء ووقف بباب البشر وهو يعلم أن دعاؤهم هباء، لا يجلب مرغوباً، ولا يمنع مكروهاً، ولكن لا عجب فليس كل أحدٍ يوفقُ للخير.

(واعلم علم اليقين أنه بدعوةٍ تتقلب الأحوال، فالعقيم يولد له، والسقيم يُشفى، والفقير يُرزق، والشقي يسعد، بدعوةٍ واحدةٍ أُغرق أُهل الأرض جميعهم إلا من شاء الله: وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً [نوح:٢٦]، وهلك فرعون بدعوة موسى وقال موسى: رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى الْحياةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ [يونس:٨٨]، ووهب ما وهب لسليمان بغير حساب بسؤال ربه الوهاب، وشفى الله أيوب من مرضه بتضرعه أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:٨٣]، وأغيث نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر بالملائكة، بتَبتُّلِه إلى موالاه، مع قلة العدد وذات اليد، إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:٩].

(فإذا كان الدعاء بهذه المنزلة العالية والمكانة الرفيعة _ فأجدر بالعبد أن يتفقه فيه، وأن يلم بشيء من أحكامه _ ولو على سبيل الإجمال _؛ حتى يدعو ربه على بصيرة وهدى، بعيدًا عن الخطأ والاعتداء؛ فذلك أرجى لقبول دعائه، وإجابة مسألته.

<<  <  ج: ص:  >  >>