للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تنبيه}: (قد يوجد من لا يؤبه به لفقره وضعفه وذلته؛ لكنه عزيز على الله تعالى لا يرد له سؤالاً، ولا يخيب له دعوة فالعبرة بالصلاح لا بالقوة.

(٢٢) الرغبة والرهبة:

وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء /٩٠]

[*] قال ابن كثير رحمه الله: قال الثوري رغبا فيما عندنا ورهبا مما عندنا "

[*] قال القرطبي رحمه الله:

أي يفزعون إلينا فيدعوننا في حال الرخاء وحال الشدة. وقيل: المعنى يدعون وقت تعبدهم وهم بحال رغبة ورجاء ورهبة وخوف , لأن الرغبة والرهبة متلازمان.

[*] قال الطبري رحمه الله:

رغبا أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله ورهبا يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه , بتركهم عبادته وركوبهم معصيته.

(فالرغبة في الدعاء هي الاتجاه إلى الله خشوعا من الإنسان، ورفعا للأمر إليه دائما، وهذا ما يضمن الصلة الدائمة بين العبد وربه ..

فإذا أتى حسنة، دعا الله أن يتقبلها ..

وإذا أتى عملا صالحا، دعا الله أن يبارك فيه ..

وإذا أصابته شدة، دعا الله أن يخففها عنه ..

وإذا جاءه خير شكر الله، ودعاه ألا يكون فتنة ..

وإذا مشى خطوة، دعا الله أن يوفقه فيها ..

وإذا اتخذ قرار، دعا الله ألا يكون ظالما فيه ..

وهكذا هو يعيش مع الله في كل لحظة، رغبة في إرضائه، واتباع منهجه.

ثم يأتي المعنى الثاني وهو الرهبة .. أي الخوف من الله تعالى والإيمان بقدرته وقوته .. والدعاء هنا يجعل الداعي يذكر الحي القيوم القائم على ملكه، لا يتركه، ويجعل الداعي يعلم أن الله سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم .. ومن هنا فإنه يعرف يقينا أنه لا يستطيع أن يخدع الله، لأن المواجهة هنا ليست بين متساويين .. ولهذا فالذي يحاول أن يخدع الله فإنما يخدع نفسه .. لأن الله يملك كل القدرات بلا حدود ولا قيود.

وهذه الرهبة تجعل العبد لا يخالف منهج الله .. فهو يخشى الله حينما توسوس به نفسه من شر، فيستعيذ به .. هذه هي الرهبة هي قمة أخرى من قمم الإيمان .. تجعل الإنسان يرقب نفسه في السر والعلانية، ويعلم أن ما يخفيه في السر يعلمه الله .. ويؤمن بأنه لا يستطيع أن يخدع الله ..

ولذلك فإن الذين يخشون الناس ولا يخشون الله إنما يعتقدون أنهم بخداعهم البشر هم أذكى منهم، وأنهم حصلوا على فوز كبير .. بينما هم في الحقيقة قد عموا عن أن الله سبحانه وتعالى يعلم سرهم وجهرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>