وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن القاسم بن محمد قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليَعْلم من وُلِّيَ هذا الأمر من بعدي أنْ سَيريدُه عنه القريبُ والبعيدُ، إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالاً، ولو علمتُ أنَّ أحداً من الناس أقوى عليه مني لكنت أُقدَّمُ فتُضربُ عنقي أَحبُّ إليَّ من أن أَليَه". كذا في الكنز.
- ثانياً: صورٌ مشرقة من زهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
عمر بن الخطاب هو ثاني الخلفاء الراشدين و أول من تسمى بلقب أمير المؤمنين، كان أزهد الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكرٍ الصديق، لقد فهم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه رضي الله عنه من خلال معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته للنبي الأمين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا بزخارفها، و زينتها، وبريقها، وطلقها ثلاثة ونفض يديه منها، وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهرا وباطنا، فكانت الدنيا في يده ولم تقترب من قلبه الشريف، وقد وصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا ومن هذه الحقائق ما يلي:
(١) اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه بالغرباء، أو عابري سبيل كما قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ.
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
(٢) أن هذه الدنيا لا وزن لها ولا قيمة عند رب العزة إلا ما كان منها طاعة لله تبارك وتعالى:
(حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء.
(حديث أبي هريرة في صحيح ابن ماجة) أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلما.
(٣) أن عمرها قد قارب على الانتهاء:
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بعثت أنا والساعة كهاتين قال وضم السبابة والوسطى.