للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعلى منه مشهد الإلهية الذي هو مشهد الرسل وأتباعهم الحنفاء، وهو شهادة أن لا إله إلا هو وأن إلهية ما سواه باطل ومحال، كما أن ربوبية ما سواه كذلك فلا أحد سواه يستحق أن يؤله ويعبد، ويصلى له ويسجد، ويستحق نهاية الحب مع نهاية الذل لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، فهو المطاع وحده على [الحقيقة]، والمألوه وحده، وله الحكم وحده، فكل عبودية لغيره باطلة وعناء وضلال، وكل محبة لغيره عذاب لصاحبها، وكل غنى لغيره فقر وفاقة، وكل عز بغيره ذل وصغار، وكل تكثر بغيره قلة وذلة، فكما استحال أن يكون للخلق رب غيره فكذلك استحال أن يكون لهم إله غيره، فهو الذي انتهت إليه الرغبات وتوجهت نحوه الطلبات، ويستحيل أن يكون معه إله آخر، فإن الإله على الحقيقة هو الغنى الصمد الكامل في أسمائه وصفاته الذي حاجة كل أحدٍ إليه ولا حاجة به إلى أحد، وقيام كل شيء به وليس قيامه بغيره، ومن المحال أن يحصل في الوجود اثنان كذلك، ولو كان في الوجود إلهان لفسد نظامه أعظم فساد واختل أعظم اختلال، كما أنه يستحيل أن يكون له فاعلان متساويان كل منهما مستقل بالفعل، فإن استقلالهما ينافى استقلالهما واستقلال أحدهما يمنع ربوبية الآخر، فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الإلهية، وذلك وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره، لصحة دلالته وظهورها وقبول العقول والفطر لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبية، وكذلك كان عباد الأصنام يقرون به وينكرون توحيد الإلهية ويقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِداً} * [ص: ٥]، مع اعترافهم بأن الله وحده هو الخالق لهم وللسموات والأرض وما بينهما، وأنه المنفرد بملك ذلك كله، فأرسل الله تعالى الرسل يذكر بما في فطرهم الإقرار به من توحيده وحده لا شريك له وأنهم لو رجعوا إِلى فطرهم وعقولهم لدلتهم على امتناع إله آخر معه واستحالته وبطلانه، فمشهد الأُلوهية هو مشهد الحنفاء، وهو مشهد جامع للأَسماء والصفات، ولذلك كان الاسم الدال على هذا المعنى هو اسم الله جل جلاله، فإِن هذا الاسم هو الجامع، ولهذا تضاف الأَسماءُ الحسنى كلها إليه فيقال: الرحمن الرحيم العزيز الغفار القهار من أَسماء الله، ولا يقال: الله من أَسماءِ الرحمن، قال الله تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} * [الأعراف: ١٨٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>