(تقلبها الرياح بفلاة) لفظ رواية أحمد بأرض فلاة أي بأرض خالية من العمران فإن الرياح أشد تأثيراً فيها منها في العمران وجمع الرياح لدلالتها على التقلب ظهراً لبطن إذ لو استمر الريح لجانب واحد لم يظهر التقلب كما يظهر من الرياح المختلفة. ولفظه بفلاة مقحمة فهو كقولك أخذت بيدي ونظرت بعيني تقريراً ودفعاً للتجوز، قال: وتقلبها صفة أخرى لريشة وقال المظهر: ظهراً بدل بعض من الضمير في تقلبها واللام في بعض بمعنى إلى ويجوز أن يكون ظهراً لبطن مفعولاً مطلقاً أي تقلبها تقليباً مختصاً وأن يكون حالاً أي تقلبها مختلفة أي وهي مختلفة ولهذا الاختلاف سمي القلب قلباً وقال الراغب: قلب الشيء صرفه عن وجه إلى وجه وسمي قلباً لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وغيرها. وقال الغزالي: إنما كان كثير التقلب لأنه منزله الإلهام [ص ٥٠٩] والوسوسة وهما أبداً يقرعانه ويلقنانه وهو معترك المسكرين الهوى وجنوده والعقل وجنوده فهو دائماً بين تناقضهما وتحاربهما والخواطر له كالسهام لا تزال تقع فيه كالمطر لا يزال يمطر عليه ليلاً ونهاراً وليس كالعين التي بين جفنين تغمض وتستريح أو تكون في ليل أو ظلمة أو اللسان الذي هو من وراء حجابين الأسنان والشفتين وأنت تقدر على تسكينه بل القلب عرش الخواطر لا تنقطع عنه بحال والآفات إليه أسرع من جميع الأعضاء فهو إلى الانقلاب أقرب ولهذا خاف الخواص على قلوبهم وبكوا عليها وصرفوا عنايتهم إليها ومقصود الحديث أن يثبت العبد عند تقلب قلبه وينظر إلى همومه بنور العلم فما كان خيراً أمسك القلب عليه وما كان شراً أمسكه عنه. أهـ
ولذلك أكثر ما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحلف: لا ومقلب القلوب كما في الحديث الآتي:
(حديث ابن عمر رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: أكثر ما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحلف: لا ومقلب القلوب.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
ومقلب القلوب هو المقسم به والمراد بتقليب القلوب تقليب اعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب.
(تفقد أحوال القلب وتجديد الإيمان فيه:
(أخي الحبيب:
تأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (