وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه آيةً في الزهد ممتنعاً عن تناول الاطعمة الشهية فقد اقتصر على ما يسد الرمق من الأطعمة البسيطة كالخبز والملح وربما تعداه إلى اللبن أو الخل وكان في أيام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يربط الحجر على بطنه من الجوع وكان قليل التناول للحم وقد قال رضي الله تعالى عنه لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات".
كان وهو أمير المؤمنين يأكل الشعير الذي تطحنه امرأته بيديها. وقد أُثر عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ̧أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب·. وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفه إيثارًا للخِصَاص التي يسكنها الفقراء. وقد كان من كرمه أن يؤثر الفقراء والمساكين على نفسه، وكثيرًا ما قدم طعامه الذي لا يملك غيره لمسكين أو يتيم أو أسير.
إن أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه لم ينل من أطايب الطعام حتى وافته المنية، فقد افطر أخر يوم من حياته في شهر رمضان على خبز وجريش ملح، وأمر برفع اللبن الذي قدمته ابنته السيدة أم كلثوم، وهو في نفس الوقت كان رضي الله عنه يطعم اليتامى العسل بيده حتى قال بعض أصحابه، وددت أني كنت يتيماً.
لقد زهد الإمام في جميع متع الحياة الدنيا وتجرد تجرداً تاماً من جميع رغباتها،
[*] قال ابن أبي الحديد: انه ما شبع من طعام قط، وقد أتي له بفالوذج وهو حلواء تصنع من الدقيق والماء والعسل، فلما رآه قال: إنه طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم، ولكن اكره أن أُعَوَّدَ نفسي ما لم تعتد".
[*] عن أبي صالح الذي كان يخدم أم كلثوم ابنة علي قال: دخلت على أم كلثوم وهي تمشط وستر بينها وبيني , فجلست أنتظرها حتى تأذن لي , فجاء حسن وحسين فدخلا عليها وهي تمشط , فقالا: ألا تطعمون أبا صالح شيئا؟ قالت: بلى , قال: فأخرجوا قصعة فيها مرق بحبوب , فقلت: أتطعمونني هذا وأنتم أمراء؟ فقالت أم كلثوم: يا أبا صالح , فكيف لو رأيت أمير المؤمنين وأتي بأترنج فذهب حسن أو حسين يتناول منه أترنجة فنزعها من يده ثم أمر به فقسم.
[*] عن الحارث عن علي قال: أهديت فاطمة ليلة أهديت إلي وما تحتنا إلا جلد كبش.
[*] عن الشَّعْبي قال: قال علي رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة بنت محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما لي ولها فراش غيرُ جلد كَبْش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار، وما لي خادم غيرها. كذا في الكنز.