للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى الرغم من جاهه في قومه، وثرائه العريض، وتجارته الناجحة فقد حمل حظه من اضطهاد قريش، اذ وكل به وبأبي بكر نوفل بن خويلد، وكان يدعى أسد قريش، بيد أن اضطهادهما لم يطل مداه، اذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها، وخافت عاقبة أمرها .. وهاجر طلحة إلى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة، ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عدا غزوة بدر، فان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة .. ولما أنجزاها ورجعا قافلين إلى المدينة، كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر، فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجهاد في أولى غزواته .. بيد أن الرسول أهدى إليهما طمأنينة سابغة، حين أنبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما، بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها .. وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيرها بإنزال هزيمة نهائية بالمسلمين، هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا، وقدرا مقدورا .. !! ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم .. ودارت الدائرة على المشركين .. ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم، ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم .. وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة، فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة .. واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه، وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين .. وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك والوثنية، فسارع نحو الرسول .. وراح رضي الله عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره .. ! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة!! ورأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بعيد يسيل من وجنته الدمو ويتحامل على نفسه، فجنّ جنونه، وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه .. سيوف المشركين تلهث نحوه، وتحيط به تريد أن تناله بسوء .. ووقف طلحة كالجيش اللجب، يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا .. ورأى دم الرسول الكريم ينزف، وآلامه تئن، فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ..

<<  <  ج: ص:  >  >>