ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حتى تتفجر آخر الأمر حقداً مخبولاً، ينفس عن نفسه في تلك الجناية البشعة التي ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي الله عنه نقول: لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى إلى هذا المأزق والمنتهى لقاومها، ولقاومها معه بقية الأصحاب الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتحذير، لا أكثر
على أن موقف طلحة هذا، تحوّل إلى عقدة حياته بعد الطريقة البشعة التي حوصر بها عثمان وقتل، فلم يكد الإمام عليّ يقبل بيعة المسلمين بالمدينة ومنهم طلحة والزبير، حتى استأذن الاثنان في الخروج إلى مكة للعمرة ومن مكة توجها إلى البصرة، حيث كانت قوات كثيرة تتجمّع للأخذ بثأر عثمان
وكانت وقعة الجمل حيث التقى الفريق المطالب بدم عثمان، والفريق الذي يناصر عليّا .. وكان عليّ كلما أدار خواطره على الموقف العسر الذي يجتازه الإسلام والمسلمون في هذه الخصومة الرهيبة، تنتفض همومه، وتهطل دموعه، ويعلو نشيجه
لقد اضطر إلى المأزق الوعر فبوصفه خليفة المسلمين لا يستطيع، وليس من حقه أن يتسامح تجاه أي تمرّد على الدولة، أو أي مناهضة مسلحة للسلطة المشروعة وحين ينهض لقمع تمرّد من هذا النوع، فإن عليه أن يواجه إخوانه وأصحابه وأصدقاءه، وأتباع رسوله ودينه، أولئك الذين طالما قاتل معهم جيوش الشرك، وخاضوا معا تحت راية التوحيد معارك صهرتهم وصقلتهم، وجعلت منهم إخواناً بل إخوة متعاضدين فأي مأزق هذا .. ؟ وأي ابتلاء عسير .. ؟
وفي سبيل التماس مخرج من هذا المأزق، وصون دماء المسلمين لم يترك الإمام علي وسيلة إلا توسّل بها، ولا رجاء إلا تعلق به ولكن العناصر التي كانت تعمل ضدّ الإسلام، وما أكثرها، والتي لقيت مصيرها الفاجع على يد الدولة المسلمة، أيام عاهلها العظيم عمر، هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة، وراحت تغذيها وتتابع سيرها وتفاقمها
بكى عليّ رضي الله عنه بكاء غزيرا، عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله وعندما أبصر وسط الجيش طلحة والزبير، حوراييّ رسول الله فنادى طلحة والزبير ليخرجا إليه، فخرجا حتى اختلفت أعناق أفراسهم فقال لطلحة: يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت .. ؟؟
ثم قال للزبير: يا زبير، نشدتك الله، أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، ألا تحبّ عليّا .. ؟