احذر ما يتسلى به المفلسون من العلم، يراجع مسألة أو مسألتين، فإذا كان في مجلس فيه من يشار إليه، أثار البحث فيهما، ليظهر علمه! وكم في هذا من سوءة، أقلها أن يعلم أن الناس يعلمون حقيقته.
وقد بينت هذه مع أخوات لها في كتاب ”التعالم”، والحمد لله رب العالمين.
[٤] تحبير الكاغد:
كما يكون الحذر من التأليف الخالي من الإبداع في مقاصد التأليف الثمانية، والذي نهايته ”تحبير الكاغد" فالحذر من الاشتغال بالتصنيف قبل استكمال أدواته، واكتمال أهليتك، والنضوج على يد أشياخك، فإنك تسجل به عاراً وتبدى به شناراً.
أما الاشتغال بالتأليف النافع لمن قامت أهليته، واستكمل أدواته، وتعددت معارفه، وتمرس به بحثا ومراجعة ومطالعة وجرداً لمطولاته، وحفظاً لمختصراته، واستذكاراً لمسائله، فهو من أفضل ما يقوم به النبلاء من الفضلاء.
ولا تنس قول الخطيب:
“من صنف، فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس”.
[٥] موقفك من وهم من سبقك:
إذا ظفرت بوهم لعالم، فلا تفرح به للحط منه، ولكن افرح به لتصحيح المسألة فقط، فإن المنصف يكاد يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام لا سيما المكثرين منهم.
وما يشغب بهذا ويفرح به للتنقص، إلا متعالم ”يريد أن يطب زكاما فيحدث به جذاما".
نعم، يبنه على خطأ أو وهم وقع لإمام غمر في بحر علمه وفضله، لكن لا يثير الرهج عليه بالتنقص منه والحط عليه فيغتر به من هو مثله.
[٦] دفع الشبهات:
لا تجعل قلبك كالسفنجه تتلقى ما يرد عليها، فاجتنب إثارة الشبه وإيرادها على نفسك أو غيرك، فالشبه خطافة، والقلوب ضعيفة، وأكثر م يلقيها حمالة الحطب – المبتدعة – فتوقهم.
[٧] احذر اللحن:
ابتعد عن اللحن في اللفظ والكتب، فإن عدم اللحن جلالة، وصفاء ذوق ووقوف على ملاح المعاني لسلامة المباني:
فعن عمر رضي الله عنه أنه قال:
"تعلموا العربية؛ فإنها تزيد في المروءة".
وقد ورد عن جماعة من السلف أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحن.
وأسند الخطيب عن الرحبي قال:
"سمعت بعض أصحابنا يقول: إذا كتب لحان، فكتب عن اللحان لحان آخر؛ صار الحديث بالفارسية “!
وأنشد المبرد:
النحو يبسط من لسان الألكن
والمرء تكرمه إذا لم يلحن
فإذا أردت من العلوم أجلها
فأجلها منها مقيم الألسن
وعليه؛ فلا تحفل بقول القاسم بن مخيمرة رحمه الله تعالى:
“تعلم النحو: أوله شغل، وآخره بغي".
ولا بقول بشر الحافي رحمه الله تعالى:
"لما قيل له: تعلم النحو قال: أضل، قال: قل ضرب زيد عمراً.