للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك أمر الله اليوم وقبل ذلك أمره فيمن مضى لأن حجة الله بالغة، والعذر بارز، وكل مواف الله ولما عمل. ثم يكون القضاء من الله وعباده على أحد أمرين: فمقضي له رحمته وثوابه فيالها نعمة وكرامة ومقضي له سخطه وعقوبته فيالها حسرة وندامة، ولكن حق على من جاءه البيان من الله بأن هذا أمره وهو واقع أن يصغر في عينه ما هو عند الله صغير، وأن يعظم في نفسه ما هو عند الله عظيم، أو ليس ما ذكر الله من الكراهة لأهلها فيما بعد الموت والهوان ما يطيب نفس امرئ عن عيشة دنياه، فإنها قد أذنت بزوال. أيدوم نعيمها، ولا يؤمن فجائعها، يبلى جديدها، ويسقم صحيحها، ويفتقر غنيها. ميالة بأهلها، لعابة بهم على كل حال. ففيها عبرة لمن اعتبر، وبيان فعلامَ تنتظر.

يا ابن آدم أنت اليوم في دار هي لافظتك وكأن قد بدا لك أمرها وإلى انصرام ما تكون سريعاً ثم يفضى بأهلها إلى أشد الأمور وأعظمها خطراً، فاتق الله يا ابن آدم وليكن سعيك في دنياك لآخرتك فإنه ليس لك من دنياك شيء إلا ما صدرت أمامك، فلا تدخرن عن نفسك مالك، ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك، ولكن تزود لبعد الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك من قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، فإذا أنت يا ابن آدم قد ندمت حيث لا تغني الندامة عنك، ارفض الدنيا ولتسخ بها نفسك ودع منها الفضل فإنك إذا فعلت ذلك أصبت أربح الأثمان من نعيم لا يزول، ونجوت من عذاب شديد ليس لأهله راحة ولا فترة، فاكدح لما خلقت له قبل أن تفرق بك الأمور فيشق عليك اجتماعها، صاحب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما قد سلف بين يديك من العمر، وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزدك إعجاب أهلها بها زاهداً فيها وحذراً منها، فإن الصالحين كذلك كانوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>