واعلم يا ابن آدم أنك تطلب أمراً عظيماً لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا تركب الغرور وأنت ترى سبيله؛ ولا تدع حظك وقد عرض عليك، وأنت مسئول ومقول لك فأخلص عملك، وإذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن أنجى الناس من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء، وأمر العباد بطاعة الله وطاعة رسوله، فإنكم أصبحتم في دار مذمومة خلقت فتنة وضرب لأهلها أجل إذا انتهوا إليه يبيد. أخرج نباتها، وبث فيها من كل دابة، ثم أخبرهم بالذي هم إليه صائرون، وأمر عباده فيما أخرج لهم من ذلك بطاعته، وبين لهم سبيلها يعني سبيل الطاعة ووعدهم عليها الجنة، وهم في قبضته ليس منهم بمعجز له، وليس شيء من أعمالهم يخفى عليه، سعيهم فيها شتى بين عاص ومطيع له، ولكل جزاء من الله بما عمل، ونصيب غير منقوص، ولم أسمع الله تعالى فيما عهد إلى عباده وأنزل عليهم في كتابه رغب في الدنيا أحداً من خلقه، ولا رضي له بالطمأنينة فيها، ولا الركون إليها، بل صرف الآيات وضرب الأمثال بالعيب لها، والنهي عنها، ورغب في غيرها. وقد بين لعباده أن الأمر الذي خلقت له الدنيا وأهلها عظيم الشأن، هائل المطلع، نقلهم عنه، أراه إلى دار لا يشبه ثوابهم ثواباً، ولا عقابهم عقاباً، لكنها دار خلود يدين الله تعالى فيها العباد بأعمالهم ثم ينزلهم منازلهم، لا يتغير فيها بؤس عن أهلها ولا نعيم، فرحم الله عبداً طلب الحلال جهده حتى إذا دار في يده وجَّهه وجهه الذي هو وجهه.
ويحك يا ابن آدم ما يضرك الذي أصابك من شدائد الدنيا إذا خلص لك خير الآخرة؛ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر؛ هذا فضح القوم، ألهاكم التكاثر عن الجنة عند دعوة الله تعالى وكرامته، والله لقد صحبنا أقواماً كانوا يقولون ليس لنا في الدنيا حاجة، ليس لها خلقنا، فطلبوا الجنة بغدوهم ورواحهم وسهرهم نعم والله حتى أهرقوا فيها دماءهم ورجوا فأفلحوا ونجوا. هنيئاً لهم لا يطوي أحدهم ثوباً، ولا يفترشه، ولا تلقاه إلا صائماً ذليلاً متبائساً خائفاً حتى إذا دخل إلى أهله إن قرب إليه شيء أكله وإلا سكت لا يسألهم عن شيء ما هذا وما هذا، ثم قال:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء