للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر المولى عزوجل بترتيل كتابه قال تعالى: (وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل: ٤] والترتيل في القراءة: الترسل فيها والتبيين من غير بغيٍ ... وقال ابن عباس في قوله: (وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) قال: بينه تبييناً؛ وقال أبو إسحاق: والتبيين لا يتم بأن يعجل في القرآة، وإنما يتم التبيين بأن يُبيِّن جميع الحروف ويوفيها حقها من الإشباع (١). والفائدة المرجوة من الترتيل أنه أدعى لفهم معاني القرآن.

(وقد كره كثير من السلف من الصحابة ومن بعدهم؛ العجلة المفرطة في تلاوة القرآن، وعلة ذلك أن رغبة القارىء في تكثبر تلاوته في مدة أقصر، لأجل تحصيل أجر أكثر، يفوت عليه مصلحة أكبر؛ وهي تدبر آيات القرآن، والتأثر بها، وظهور أثرها على القاريء. ولا ريب أن حال من قرأ القرآن وهو متأمل لآياته، ومستحضرٌ لمعانيه؛ أكمل من الذي يستعجل به طلباً لسرعة ختمه وكثرة تلاوته.

((حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن رجلاً قال له لقد قرأت المفصل في ركعة فقال هذا كهزِ الشعر إن قوماً يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع.

*المقصود بقوله (كهذ الشعر): كانت عادتهم في إنشاد الشعر السرعة المفرطة.

((حديث عقبة ابن عامر الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن) أي يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه ولا تأمل في أحكامه بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة.

(أورد الآجري رحمه الله تعالى في أخلاق حملة القرآن عن ابن مسعود قال: «لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة»

(وعن أبي جمرة قال: (قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلةٍ فأدبرها وأرتلها؛ أحبُّ إلي من أن أقرأ كما تقول). وفي رواية (فإن كنت فاعلاً لابد، فأقرأهُ قراة تسمعُ أذنيك ويعيه قلبك) (٢).


(١). لسان العرب. لابن منظور (١١/ ٢٦٥) ط. دار صادر.
(٢).أخرجه ابن كثير في فضائل القرآن. (ص٢٣٦) وقال محققه: وإسناده صحيح. والزيادة أخرجها البيهقي في الشعب من حديث شعبة: وقال محقق الفضائل: وإسناده صحيح. انظر الحاشية (ص٢٣٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>