للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وأورد ابن أبي الدنيا رحمه الله في الصمت وآداب اللسان عن حسان بن عطية قال كان شداد بن أوس في سفر فنزل منزلا فقال لغلامه ائتنا بالسفرة نعبث بها فأنكرت عليه فقال ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا كلمتي هذه فلا تحفظوها علي.

((٢) اجتناب آفات اللسان:

(اعلم رحمك الله تعالى أن في اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى:

«آفة الكلام، وآفة السكوت» وقد يكون كلُّ منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها؛ فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاصٍ لله ومراء مداهن إذا لم يخف على نفسه.

والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاصٍ لله وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته. فهم بين هذين النوعين وأهل الوسط - وهم أهل السراط المستقيم - كفّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعُه في الآخرة فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة فضلاً أن تضره في آخرته، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به (١).

وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

((حديث أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ قَالَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ وَأَجْمِعْ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ.

(فهذه الوصايا الثلاث يا لها من وصايا إذا أخذ بها العبد تمت أموره وأفلح (٢).

(ولهذا كان النجاة في الصمت.

((حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من صمت نجا.

((حديث عقبة ابن عامر الثابت في صحيح الترمذي) قال قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أملك عليك لسانك ولْيسعك بيتُك وابكِ على خطيئتك.

ومنها ما يلي:

(١) الغيبة:

(٢) النميمة:


(١) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم رحمه الله ص ٢٧٦ - ٢٨١.
(٢) انظر بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار لعبد الرحمن السعدي الحديث رقم ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>