هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه (٨)، وأن يغضوا (٩) أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا، كما رواه مسلم في صحيحه، من حديث يونس بن عُبَيد، عن عمرو بن سعيد، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير بن عبد الله البجلي، رضي الله عنه، قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرفَ بَصَري.
قال القرطبي رحمه الله: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه وغضه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله وفي صحيح مسلم عن جرير عن عبد الله قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري وهذا يقوي قول من يقول إن من للتبعيض لأن النظرة الأولى لاتملك فلا تدخل تحت خطاب تكليف.
[وقال:] وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب كما أن الحمى رائدة الموت وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال: ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف ا. هـ[تفسير القرطبي ١٢/ ٢٢٢]
ويقول ابن القيم كذلك كما في كتابه الجواب الكافي عندما تكلم عن الزنا فقال:
ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدمًا على حفظ الفرج فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر تكون نظرة - ثم تكون خطرة - ثم خطوة - ثم خطيئة فإما اللحظات فهى رائدة الشهوة ورسولها وحفظها أصل حفظ الفرج فمن أطلق نظرة أورد نفسه موارد الهلاك والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ومن آفاته. أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى الإنسان ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه وهذا من أعظم العذاب.
(حديث ابن عباس في الصحيحين) قال كان الفضلُ رَدِيْفَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقدمت امرأةٌ من خثعم، فجعل الفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليه، وجعل رسول الله يصرفُ وجه الفضل إلى الشقِ الآخر، فقالت يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت شيخاً كبيراً لا يثبتُ على الراحلة، أفأحجُ عنه؟ قال نعم. وذلك في حجة الوداع.