للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الخطوة يلجأ إليها المُنكر بعد عدم جدوى أسلوب اللطف واللين، فحينئذ يغلظ له القول، ويزجره مع مراعاة قواعد الشرع في ذلك. وعليه ألا ينطق إلا بالصدق، ولا يطيل لسانه بما لا يحتاج إليه بل على قدر الحاجة.

وقد استعمل أبو الأنبياء إبراهيم ـ عليه السلام ـ هذا الأسلوب، قال تعالى حكاية عنه: (أُفّ لّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: ٦٧]

الخطوة الرابعة: التهديد والتخويف:

وهذه الخطوة هي آخر المحاولات في النهي باللسان، ويعقبها بعد ذلك إيقاع الفعل كأن يقال لمرتكب المنكر: إن لم تنته عن هذا الفعل لأفعلنَّ بك كذا وكذا. أو لأخبرن بك السُلطات لتسجنك وتعاقبك على فعلك.

ولكن ينبغي أن يكون هذا التهديد والتخويف في حدود المعقول عقلًا وشرعا حتى يعرف أن المنكر صادق في تهديده، لأنه لو هدده بأمور غير جائزة شرعا وغير معقولة عرف أنه غير جاد في كلامه (١).

المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب:

إذا عجز المؤمن عن الإنكار باليد واللسان، انتهى إلى الإنكار بالقلب فيكره المنكر بقلبه، ويبغضه، ويبغض أهله ـ يعلم الله ذلك منه ـ إذا عجز عن تغييره بيده ولسانه ـ وهذا الواجب لا يسقط عن المؤمن بوجه من الوجوه، إذ لا عذر يمنعه ولا شئ يحول بينه وبينه، وليس هناك شيء من التغيير ما هو أقل منه، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم {وذلك أضعف الإيمان} (٢) يعني أقل ما يمكن به تغيير المنكر.

وكذلك الحديث الآخر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - {وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل} أي لم يبق بعد هذا من الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن ويثاب عليه، بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان.

قيل لابن مسعود - رضي الله عنه - من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا (٣).


(١) انظر إحياء علوم الدين، ٢/ ٤٢٠ - ٤٢٢، والكنز الأكبر، ص ٢٣٤ - ١٤٣، وفقه الدعوة في إنكار المنكر ص ٦٩ - ٧١، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعبد العزيز المسعود، ١/ ٥٢١ - ٥٢٥.
(٢) مسلم الإيمان (٤٩)، الترمذي الفتن (٢١٧٢)، النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٠٩)، أبو داود الصلاة (١١٤٠)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٢٧٥)، أحمد (٣/ ١٠).
(٣) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن تيمية ص ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>