للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو المفتون الموصوف في حديث (حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عند مسلم بأنه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أُشرب من هواه).

(حديث حذيفة الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودا عُودا، فَأَيّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْل الصّفَا، فَلاَ تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادا كَالْكُوزِ مُجَخّيا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرا، إِلاّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ.

وإذا لم يستطع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، تغيير المنكر بيده، ولا بلسانه، فإنه يجب عليه حينئذ إنكاره بقلبه ـ كما سبق بيانه ـ وعليه أن يهجر المنكر وأهله، فإن عجزه عن الإنكار ليس عذرا يبيح له مشاهدة ذلك المنكر أو مجالسة أهله.

قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِيَ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّىَ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمّا يُنسِيَنّكَ الشّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذّكْرَىَ مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ) [الأنعام: ٦٨]

وقال تعالى: (وَقَدْ نَزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتّىَ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنّمَ جَمِيعاً) [النساء: ١٤٠]

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - عند هذه الآية (وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يُستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده .. ) (١).

وبهذا يتبين لنا أن الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله على علم وبصيرة، لا بد له من معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها وخطواتها، والالتزام بالعمل بها، حتى ينجح في دعوته، وتؤتي ثمارها الطيبة.

من رأى منكرا فلم يستطع له تغييرا أن يُعْلِمَ الله من قلبه أنه له كاره.


(١) تيسير الكريم الرحمن، ٢/ ٩٣ - ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>