ومن مواقفه الشهيرة في ذلك قصه تزويج ابنته وقد كان الخليفة عبد الملك بن مروان تقدم لخطبتها لابنه الوليد حين ولاه العهد ويذكر المؤرخون أنه أرسل موكبا كبيرا على رأسه مندوب خاص نزل المسجد ووقف على حلقة سعيد فأبلغه سلام أمير المؤمنين وأنه قدم يخطب إليه ابنته لابنه الوليد ولى العهد وانتظر الناس أن يستبشر سعيد بهذا التشريف الذي ناله ولكنه لم يزد على كلمة لا، وكان لسعيد تلميذ متين الدين والخلق يدعى عبد الله بن أبى وداعة افتقده أياما فلما عاد إليه قال له سعيد: أين كنت فقال توفيت زوجتي فانشغلت بها قال سعيد فهلا أخبرتنا فشهدناها ثم أراد التلميذ أن يقوم فقال سعيد: هل أحدثت امرأة غيرها؟ قال يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال سعيد إن أنا فعلت تفعل؟ قال نعم فأمر بالشهود وكتابة العقد قال ابن أبى وداعة: فقمت وما أدرى ما أصنع من الفرح وصرت إلى منزلي وجعلت أفكر ممن آخذ وأستدين؟ وصليت المغرب. وكنت صائما فقدمت عشائي لأفطر وكان خبزا وزيتا وإذا بالباب يقرع فقلت: من هذا؟
فقال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم ير منذ أربعين سنه إلا ما بين بيته والمسجد فقمت وخرجت وإذا بسعيد بن المسيب وظننت أنه بدا له فقلت يا أبا محمد هلا أرسلت إلي فأتيتك قال لا أنت أحق أن تزار قلت فما تأمرني قال رأيتك رجلا عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك فإذا هي قائمة خلفه في طوله ثم دفعها في الباب ورد الباب فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم صعدت إلى السطح وناديت الجيران فجاءوني وقالوا ما شأنك قلت زوجني سعيد بن المسيب ابنته وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار فنزلوا إليها وبلغ أمي فجاءت وقالت وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعرفهم بحق الزوج.
وكان رحمه الله يقول: لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم لكيلا تحبط أعمالكم.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن سعيد بن المسيب، قال: لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة.