[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عون بن أبي شداد العبدى قال: بلغني أن الحجاج بن يوسف لما ذكر له سعيد بن جبير، أرسل إليه قائداً من أهل الشام من خاصة أصحابه يسمى الملتمس بن الأحوص، ومعه عشرون رجلاً من أهل الشام من خاصة أصحابه، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعة له سألوه عنه، فقال الراهب: صفوه لي فوصفوه له فدلهم عليه، فانطلقوا فوجدوه ساجداً يناجي بأعلى صوته، فدنوا منه فسلموا عليه فرفع رأسه فأتم بقية صلاته ثم رد عليهم السلام، فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك فأجبه، قال: ولابد من الإجابة؟ قالوا: لابد من الإجابة، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه، ثم قام فمشى معهم حتى انتهوا إلى دير الراهب، فقال الراهب: يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم؟ قالوا: نعم، فقال لهم: اصعدوا الدير فإن اللبوة والأسد يأويان حول الدير، فعجلوا قبل المساء، ففعلوا ذلك وأبى سعيد أن يدخل الدير، فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا، قال: لا، ولكن لا أنزل منزل مشرك أبداً، قالوا: فإنا لا ندعك فإن السباع تقتلك، قال سعيد: لا ضير أن معي ربي فيصرفها عني ويجعلها حرساً حولي يحرسونني من كل سوء إن شاء الله، قالوا: فأنت من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء ولكن عبد من عبيد الله خاطئ مذنب، قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينته، فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد، قال سعيد: إني أعطي العظيم الذي لا شريك له لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله، فرضي الراهب ذلك، فقال لهم: أصعدوا واوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح، فإنه كره الدخول علي في الصومعة لمكانكم، لما صعدوا واوتروا القسي إذا هم بلبوة قد أقبلت، فلما دنت من سعيد تحاكت به وتمسحت به ثم ربضت قريباً منه، وأقبل الأسد وصنع مثل ذلك، فما رأى الراهب ذلك وأصبحوا نزل إليه، فسأله عن شرائع دينه وسنن رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففسر له سعيد ذلك كله، فأسلم الراهب وحسن إسلامه، وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه ويأخذون التراب الذي وطئه بالليل فصلوا عليه، فيقولون: يا سعيد قد حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه، فمرنا بما شئت، قال: امضوا لأمركم فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه، فساروا حتى بلغوا واسطاً، فلما انتهوا إليها، قال لهم سعيد: يا معشر القوم قد تحرمت بكم وصحبتكم ولست أشك أن أجلي قد حضر، وإن