المدة قد انقضت، دعوني إليه أخذ أهبة الموت، وأستعد لمنكر ونكير وأذكر عذاب القبر وما يحثى علي من التراب، فإذا أصبحتم فالميعاد بيني وبينكم الموضوع الذي تريدون، قال بعضهم: لا نريد أثراً بعد عين، وقال بعضهم: قد بلغتم أملكم واستوجبتم جوائزكم من الأمير فلا تعجزوا عنه، فقال بعضهم، يعطيكم ما أعطى الراهب ويلكم، أما لكم عبرة بالأسد كيف تحاكت به وتمسحت به وحرسته إلى الصباح، فقال بعضهم: هوعلي أدفعه إليكم إن شاء الله، فنظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه وشعث رأسه واغبر لونه، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه، فقالوا بجماعتهم: يا خير أهل الأرض ليتنا لم نعرفك ولم نسرح إليك? الويل لنا ويلاً طويلاً كيف ابتلينا بك، اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر، فإنه القاضي الأكبر والعدل الذي لا يجور، فقال سعيد: ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله تعالى في، فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة والكلام بما بينهم، قال كفيله: أسألك بالله يا سعيد لما زودتنا من دعائك وكلامك، فإنا لن نلقى مثلك أبداً ولا نرى أنا نلتقي إلى يوم القيامة، قال: ففعل ذلك سعيد فخلوا سبيله، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم مختفون الليل كله ينادون بالويل واللهف، فلما انشق عمود الصباح جاءهم سعيد بن جبير فقرع الباب، فقالوا: صاحبكم ورب الكعبة، فنزلوا إليه وبكوا معه طويلاً، ثم ذهبوا به إلى الحجاج وآخر معه، فدخلا إلى الحجاج، فقال الحجاج: أتيتموني بسعيد بن جبير، قالوا: نعم، وعاينا منه العجب فصرف بوجه عنهم، قال: أدخلوه علي، فخرج المتلمس، فقال لسعيد: أستودعتك الله وأقرأ عليك السلام، قال: فأدخل عليه، قال له: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، قال: