للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فو الله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.

الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟

سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.

الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ وبكي أيضًا صديق له، فقال له سعيد: ما يبكيك؟

الرجل: لما أصابك.

سعيد: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: قوله تعالى: (مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ) [الحديد: ٢٢] [الحديد، ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه،

فسأله الحجاج: ما أضحكك؟

سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.

الحجاج: اقتلوه.

سعيد: (وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: ٧٩]

الحجاج: وجهوه لغير القبلة.

سعيد: (فَأَيْنَمَا تُوَلّواْ فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ) [البقرة: ١١٥]

الحجاج: كبوه على وجهه.

سعيد: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىَ) [طه: ٥٥] الحجاج: اذبحوه.

سعيد: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي، ومات سعيد شهيدًا في إحدى عشر رمضان سنة خمسٍ وتسعين هجرية، وله من العمر سبع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>