أمر الحجاج بن يوسف بفصل رأس سعيد بن جبير عن جسده بعد محاكمة صورية، وهنا يتضح أن للطغاة منطقهم الشاذ .. ولكنهم في غيبة الوعي السليم وفي حرمان من توفيق الله وعصمته يرتكبون من الآثام ما لا يمكن تصوره بالفعل، غير أنهم يدركون الحقيقة بعد فوات الأوان، وحين لا ينفع الندم، ولا يبقي أمامه إلا أن يواجه العقاب، وأشد ألوان العقاب، هو عقاب الملك العلاّم الذي لا يغفل ولا ينام، يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام، يعاقبه على هذا الإجرام جزاءاً بما ارتكبه من الرزايا والآثام، فكل بني آدم مرده إلى الله مهما مررت السنون وانصرمت الأيام، وعند الله تجتمه الخصوم ويُقْتَص من الظالم للمظلوم، فيا أيها المظلوم يا صاحب الحقِ المهضوم يا من صار مَغْمُومَاً من جُرْحِهِ المَكْلُوم يا من كان غَيْظُهُ من الظلم مَكْتُوم يا من صار وَجُهُ من الأسى مَحْمُوم هَوِّنْ عَلَيْك يا أخي، فإن الدنيا أمرها معلوم، فهي للظالم لا تدوم سيقتَصُ الله لك من فِعله المشئوم وعند الله تَجْتَمِعُ الخصوم ويُقْتَصُ من الظَالِم للمَظلوم، يقتصُ لجرحه المكلوم وحقهِ المهضوم، يجتمعون عند الملك العزيزِ الوهَّاب، فالمظلوم ينتظر النصر والظالم ينتظر العقاب، تجتمعون عند العلي الكبير عند من يحاسب على الخطأ والتقصير ولا يظلم الفتيل والنقير.
استجابة دعوة سعيد بن جبير على الحجاج " اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه علي أحد يقتله من بعدي"
وصعدت دعوة سعيد إلي السماء، فلقيت قبولا واستجابة من الله والواحد القهار، كيف لا والله تعالى يقول:(أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ [النمل: ٦٢]، واسنة الصحيحة طافحةٌ بالدليل الأوفى على استجابة دعوة المظلوم، منها ما يلي:
(حديث ا بن عباس في الصحيحين) قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذٍ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يومٍ وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردُ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوةَ المظلومِ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.
الشاهد: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[واتقِ دعوةَ المظلومِ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب]