أما بعد: فإنكم كتبتم إلى بما كنتم تسترون منه قبل اليوم في رد علم الله والخروج منه إلى ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخوف على أمته من التكذيب بالقدر. وقد علمتم أن أهل السنة كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، وسيقبض العلم قبضاً سريعاً. وقول عمر بن الخطاب، وهو يعظ الناس: إنه لا عذر لأحد عند الله بعد البينة بضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة، قد تبينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر، فمن رغب عن أنباء النبوة وما جاء به الكتاب تقطعت من يديه أسباب الهدى، ولم يجد له عصمة ينجو بها من الردى، وإنكم ذكرتم أنه بلغكم أني أقول: إن الله قد علم ما العباد عاملون، وإلى ماهم صائرون، فأنكرتم ذلك علي، وقلتم: إنه ليس يكون ذلك من الله في علم حتى يكون ذاك من الخلق عملاً فكيف ذلك كما قلتم؟ والله تعالى يقول: ... (إِنّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنّكُمْ عَآئِدُونَ)[الدخان: ١٥]. يعني: عائدين في الكفر، وقال الله تعالى:: (بَلْ بَدَا لَهُمْ مّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[الأنعام: ٢٨] فزعمتم بجهلكم في قول الله تعالى: ... (فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ)[الكهف: ٢٩]. أن المشيئة في أي ذلك أحببتم فعلتم من ضلالة أو هدى والله تعالى يقول: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين. فبمشيئة الله لهم شاءوا ولو لم يشأ لم ينالوا بمشيئتهم من طاعته شيئاً قولاً ولا عملاً، لأن الله تعالى لم يملك العباد ما بيده، ولم يفوض إليهم ما يمنعه من رسله، فقد حرصت الرسل على هدى الناس جميعاً، فما اهتدى منهم إلا من هداه الله، ولقد حرص إبليس على ضلالتهم جميعاً فما ضل منهم إلا من كان في علم الله ضالاً.