وزعمتم بجهلكم أن علم الله تعالى ليس بالذي يضطر العباد إلى ما عملوا من معصيته، ولا بالذي صدهم عما تركوه من طاعته، ولكنه بزعمكم كما علم الله أنهم سيعملون بمعصيته، كذلك علم أنهم سيستطيعون تركها، فجعلتم علم الله لغواً، تقولون لو شاء العبد لعمل بطاعة الله وإن كان في علم الله أنه غير عامل بها، ولو شاء ترك معصيته، وإن كان في علم الله أنه غير تارك لها، فأنتم إذا شئتم أصبتموه وكان علماً، وإذا شئتم رددتموه وكان جهلاً، وإن شئتم أحدثتم من أنفسكم علماً ليس في علم الله، وقطعتم به علم الله عنكم، وهذا ما كان ابن عباس يعده للتوحيد نقضاً، وكان يقول: إن الله لم يجعل فضله ورحمته هملاً بغير قسم منه ولا اختيار، ولم يبعث رسله بإبطال ما كان في سابق علمه، فأنتم تقرون في العلم بأمر، وتنقضون في آخر، والله تعالى يقول: قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مّنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَآءَ ُ)[البقرة: ٢٥٥]. فالخلق صائرون إلى علم الله تعالى، ونازلون عليه، وليس بينه شىء هو كائن حجاب يحجبه عنه ولا يحول دونه إنه عليم حكيم.
وقلتم لو شاء الله لم يفرض بعمل بغير ما أخبر الله في كتابه عن قوم، ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون وأنه قال: سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم.