وهم له قبل ذلك كارهون وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان. وهم له قبل ذلك محبون وما كانوا على شىء من ذلك لأنفسهم بقادرين. ثم أخبر بما سبق لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصلاة عليه والمغفرة ولأصحابه. فقال تعالى: قال تعالى: (أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: ٢٩]. وقال تعالى:(لّيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخّرَ)[الفتح: ٢]. فلولا علمه ما غفرها الله له قبل أن يعملها، وفضلا سبق لهم من الله قبل أن يخلقوا، ورضوانا عنهم قبل أن يؤمنوا. ثم أخبر بما هم عاملون آمنون قبل أن يعملوا وقال:(تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً)[الفتح: ٢٩]. فتقولون أنتم أنهم قد كانوا ملكوا رد ما أخبر الله عنهم أنهم عاملون، وأن إليهم أن يقيموا على كفرهم مع قوله فيكون الذي أرادوا لأنفسهم من الكفر مفعولا، ولا يكون لوحى الله فيما اختار تصديقا، بل لله الحجة البالغة. وفي قوله تعالى: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. فسبق لهم العفو من الله فيما أخذوا قبل أن يؤذن لهم، وقلتم: لو شاءوا خرجوا من علم الله في عفوه عنهم إلى ما لم يعلم من تركهم لما أخذوا، فمن زعم ذلك فقد غلا وكذب. ولقد ذكر الله بشراً كثيراً وهم يومئذ في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، فقال: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم. وقال: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. فسبقت لهم الرحمة من الله قبل أن يخلقوا والدعاء لهم بالمغفرة، ممن لم يسبقهم بالإيمان من قبل أن يدعوا لهم. ولقد علم العالمون بالله أن الله لا يشاء أمراً فتحول مشيئة غيره دون بلاغ ما شاء، ولقد شاء لقوم الهدى فلم يضلهم أحد، وشاء إبليس لقوم الضلالة فاهتدوا، وقال لموسى وهارون:(اذْهَبَآ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ)[طه ٤٣، ٤٤]. وموسى في سابق علمه أنه يكون لفرعون عدواً وحزناً، فقال تعالى:(وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مّا كَانُواْ يَحْذَرونَ)[القصص: ٦]. فتقولون أنتم: لو شاء فرعون كان لموسى ولياً وناصراً، والله تعالى يقول:(لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً)[القصص: ٨]. وقلتم لو شاء فرعون لامتنع من الغرق، والله تعالى يقول:(إِنّهُمْ جُندٌ مّغْرَقُونَ)[الدخان: ٢٤].