للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثبت ذلك عنده في وحيه في ذكر الأولين. كما قال في سابق علمه لآدم قبل أن يخلقه: قال (إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: ٣٠]. فصار إلى ذلك بالمعصية التي ابتلى بها، وكما كان إبليس في سابق علمه أنه سيكون مذموماً مدحوراً، فصار إلى ذلك بما ابتلى به من السجود لآدم فأبى، فتلقى آدم التوبة فرحم، وتلقى إبليس اللعنة فغوى، ثم هبط آدم إلى ما خلق له من الأرض مرحوماً متوباً عليه، وأهبط إبليس بنظرته مدحوراً مذموماً مسخوطاً عليه. وقلتم أنتم: أن إبليس وأوليائه من الجن قد كانوا ملكوا رد علم الله والخروج من قسمه الذي أقسم به إذ قال: (قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُولُ * لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنكَ وَمِمّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: ٨٥]. حتى لا ينفذ له علم إلا بعد مشيئتهم، فماذا تريدون بهلكة أنفسكم في رد علم الله؟ فإن الله عز وجل لم يشهدكم خلق أنفسكم فكيف يحيط جهلكم بعلمه، وعلم الله ليس بمقصر عن شىء هو كائن، ولا يسبق علمه في شىء فيقدر أحد على رده، فلو كنتم تنتقلون في كل ساعة من شىء إلى شىء هو كائن من العباد في الأرض من الفساد وسفك الدماء فيها، وما كان لهم في الغيب من علم، فكان في علم الله الفساد وسفك الدماء، وما قالوا تخرصاً إلا بتعليم العليم الحكيم لهم، فظن ذلك منهم وقد أنطقهم به، فأنكرتم أن الله أزاغ قوماً قبل أن يرفعوا، وأضل قوماً قبل أن يضلوا، وهذا مما لاشك فيه المؤمنون بالله، إن الله قد عرف قبل أن يخلق العباد مؤمنهم من كافرهم، وبرهم من فاجرهم، وكيف يستطيع عبد هو عند الله مؤمن أن يكون كافراً، أو هو عند الله كافر أن يكون مؤمناً؟ والله تعالى يقول: ... (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا) [الأنعام: ١٢٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>