للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي إباحةِ الرُّقَى إجازةُ أخذِ العِوَضِ عليه، لأنَّ كلَّ ما انتُفِع به جاز أخذُ البدل منه، ومَن احتسَب ولم يأخُذْ على ذلك شيئًا كان له الفضلُ.

وفي قوله: "لو سبَق شيءٌ القَدَرَ لسبَقتْه العينُ" دليلٌ على أنَّ الصِّحةَ والسَّقمَ قد جفَّ بذلك كلِّه القلمُ، ولكنَّ النفسَ تَطيبُ بالتَّداوي، وتأنسُ بالعلاج، ولعلَّه يُوافقُ قدَرًا، وكما أنَّه مَن أُعطِيَ الدُّعاء وفُتِحَ عليه فلم يكَدْ يُحرَمُ الإجابة، كذلك الرُّقَى والتَّداوي، من أُلهِمَ شيئًا من ذلك وفعَله ربَّما كان ذلك سببًا لفرَجِه.

ومنزلةُ الذين لا يكْتَوون، ولا يَسْتَرْقون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربِّهم يتوكَّلون، أرفعُ وأسنَى، ولا حرَجَ على من استرقَى وتداوَى (١).

وقد ذكَرنا اختلافَ الناس في هذا الباب عندَ ذكرِ حديثِ زيدِ بنِ أسلمَ من كتابنا هذا، وبيَّنّا الحجَّةَ لكلِّ فريقٍ منهم (٢)، وبالله التوفيق.

حدَّثنا سعيدُ بنُ نصرٍ وعبدُ الوارث بنُ سفيان، قالا: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ إسحاقَ القاضي، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ المديني، قال: حدَّثنا سفيان (٣)، عن الزُّهريِّ، عن أبي خِزامة، عن أبيه، أنّه قال: يا رسولَ الله،


(١) وهم الذين ثبت الثناء عليهم واستحقاقهم لدخول الجنة بغير حساب كما في الحديث المخرَّج في الصحيحين. فقد أخرج البخاري (٥٧٥٢)، ومسلم (٢٢٠) من حديث سعيد بن جُبير، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قصّة عَرْضِ الأمم عليه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أنه رأى سوادًا كثيرًا سدَّ الأُفُقِ، فقيل: هؤلاء أُمَّتُكَ ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخُلون الجنّة بغير حساب، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - دالًّا أصحابه على حقيقة وصفهم: "هم الذين لا يتطيَّرون، ولا يَسْترقُون، ولا يكتَوُون، وعلى ربّهم يتوكَّلُون".
(٢) في أثناء شرح الحديث الخامس والأربعين المرسل له، وهو في الموطأ ٢/ ٥٣٢ (٢٧١٨)، وسيأتي مع تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٣) هو ابن عيينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>