للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم أنه يُوجِبُ العملَ دونَ العلم. وهو قولُ الشافعيِّ وجمهورِ أهلِ الفقهِ والنَّظر، ولا يُوجِبُ العلمَ عندَهم إلّا ما شَهِد به على اللَّه، وقطَع العُذْرَ بمَجِيئِه قَطْعًا (١)، ولا خِلافَ فيه (٢).

وقال قومٌ كثيرٌ من أهلِ الأثَرِ وبعضُ أهلِ النَّظرِ: إنه يُوجِبُ العلْمَ الظاهرَ والعملَ جميعًا. منهم الحسينُ الكَرابِيسيُّ (٣) وغيرُه. وذكَر ابنُ خُوَيْزِ مَنْدادَ أنَّ هذا القولَ يُخرَّجُ على مذهبِ مالك.

قال أبو عُمر: الذي نقولُ به: إنه يُوجِبُ العملَ دونَ العلم (٤)؛ كشهادَةِ الشاهِدَين والأربعةِ سواءً، وعلى ذلك أكثرُ أهلِ الفقهِ والأثر، وكلُّهم يَدينُ بخبرِ الواحدِ العدلِ في الاعتقادات، ويُعادي ويُوالي عليها، ويجعلُها شَرعًا ودِينًا في مُعتَقَدِه، على ذلك جماعةُ أهلِ السُّنَّة، ولهم في الأحكام ما ذكَرنا، وباللَّه توفيقُنا.

ولمّا أجمع أصحابُنا على ما ذكرنا في المسنَدِ والمرسَل، واتَّفَق سائرُ العلماءِ على ما وصَفنا، رأيتُ أن أجمَع في كتابي هذا كلَّ ما تضَمَّنَه "موطّأُ" مالكِ بنِ أنسٍ رحمه اللَّه، في رِوايةِ يحيى بن يحيى اللَّيْثيِّ الأندلسيِّ عنه، من حديثِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: مُسنَدِه، ومقطوعِه، ومرسَلِه، وكلِّ ما يُمْكِنُ إضافَتُه إليه، صلواتُ اللَّه وسلامُه عليه. ورتَّبْتُ ذلك مراتب، قدَّمتُ فيها المُتَّصِل، ثم ما جرَى مَجْراه ممّا اخْتُلِفَ في اتِّصالِه، ثم المُنْقَطِع، والمُرْسل. وجعلتُه على حُروفِ المُعجَم في أسماءِ شيوخِ مالكٍ رحمهم اللَّه؛ ليكونَ أقربَ للمُتَناوِل. ووَصلْتُ كلَّ مقْطوع جاء مُتَّصِلًا


(١) وبهذا يقول ابن حزم في الإحكام ١/ ١١٩.
(٢) في ف ١: "بمجيئه مجيئًا لا خلاف فيه".
(٣) هو: أبو علي الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي البغدادي، العالم المشهور، المتوفى سنة ٢٤٨ هـ (تاريخ الخطيب ٨/ ٦١١ وتاريخ الإسلام للذهبي ٥/ ١١٢٣).
(٤) "دون العلم"، لم ترد في ف ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>