للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابُ بيانِ التَّدليس، ومَن يُقْبَلُ نقلُه ويُقْبَل (١) مُرْسَلُه وتدليسُه، ومَن لا يُقْبَلُ ذلك منه

قال أبو عُمر: الذي اجْتمَع عليه أئمَّةُ الحديثِ والفقهِ في حالِ المحدِّثِ الذي يُقبَلُ نَقْلُه، ويُحتَجُّ بحديثه، ويُجْعَلُ سنَّة وحُكمًا في دينِ اللَّه، هو أن يكونَ حافظًا إن حدَّث من حِفظِه، عالمًا بما يُحيلُ المعاني، ضابِطًا لكتابِه إن حدَّث من كتاب، يُؤدِّي الشيءَ على وجهِه، مُتيَقِّظًا غيرَ مُغفَّل، وكلُّهم يَستَحِبُّ أن يُؤدِّيَ الحديثَ بحروفِه؛ لأنَّه أسلَمُ له، فإن كان من أهلِ الفَهْم والمَعْرِفَة، جاز له أن يُحدِّثَ بالمعنى، وإن لم يكُنْ كذلك، لم يَجُزْ له ذلك؛ لأنه لا يَدْرِي لعلَّه يُحيلُ الحلالَ إلى الحرام. ويحتاجُ مع ما وصفْنا أن يكونَ ثِقَةً في دينِه، عَدْلًا، جائزَ الشَّهادة، مَرْضِيًّا، فإذا كان كذلك، وكان سالمًا من التَّدليس، كان حُجَّةً فيما نقَل وحمَل من أثر في الدِّين.

وجُملةُ تلخِيصِ القولِ في التَّدليسِ الذي أجازه مَن أجازه من العلماء بالحديث، هو أن يُحدِّثَ الرجلُ عن شيخٍ قد لَقِيَه وسَمِع منه، بما لم يَسمَعْ منه وسَمِعه من غيرِه عنه، فيُوهِمَ أنه سَمِعه من شَيْخِه ذلك، وإنما سَمِعه من غيرِه، أو من بعضِ أصحابِه عنه، ولا يكونُ ذلك إلّا عن ثِقَة، فإن دَلَّس عن غيرِ ثِقَة، فهو تدليسٌ مذمومٌ عندَ جماعةِ أهلِ الحديث، وكذلك إن دَلَّس عمَّن لم يَسمَعْ منه، فقد جاوَز حَدَّ التَّدليسِ الذي رخَّص فيه مَن رخَّص منَ العلماء، إلى ما يُنكِرُونه، ويَذمُّونه ولا يَحمَدونه، وباللَّه العِصمَةُ لا شريكَ له (٢).


(١) في ف ١: "ويعمل".
(٢) يبدو أن ابن عبد البر قد أخذ هذه الكلمات من يعقوب بن شيبة، فقد روى الخطيب البغدادي في "الكفاية" ٢/ ٣٨٦ بسند جيد إلى يعقوب بن شيبة كلامًا يشابه كلام ابن عبد البر، بل يتطابق في بعض جُمَله، كقوله: "فقد جاوز حدَّ التدليس الذي رخّص فيه مَنْ رخّص من العلماء". =

<<  <  ج: ص:  >  >>