للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ خامِسٌ وثلاثُون لنافع، عن ابن عُمرَ

مالكٌ (١)، عن نافع، عن عبدِ الله بن عُمرَ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ العبدَ إذا نصحَ لسيِّدِهِ، وأحسَنَ عِبادةَ ربِّهِ، فلهُ أجرُهُ مرَّتينِ".

قال أبو عُمر: معنى هذا الحديثِ عِندي، واللّه أعلمُ: أنَّ العبدَ لمّا اجتمَعَ عليه أمرانِ واجِبان (٢): طاعَةُ سيِّد في المعرُوفِ، وطاعةُ ربِّهِ، فقامَ بهما جميعًا، كان لهُ ضِعفا أجرِ الحُرِّ المُطيع لربِّهِ مِثلَ طاعتِهِ؛ لأنَّهُ قد أطاعَ اللهَ فيما أمَرهُ به من طاعَةِ سيِّدِهِ ونُصْحِهِ، وأطاعهُ أيضًا فيما افترضَ عليه.

ومن هذا المعنى عندَهُم: أَنَّهُ مَنِ اجتمعَ عليه فَرْضانِ، فأدّاهُما جميعًا، وقامَ بهما، كان أفضلَ مِمَّن ليسَ عليه إلّا فرضٌ واحدٌ فأدّاهُ، واللّه أعلمُ، فمن وَجَبت عليه زكاةٌ وصلاة، فقام بهما على حَسَب ما يجِبُ فيهما، كان لهُ أجرانِ، ومن لم يجِب عليه زَكاةٌ، وأدَّى صلاتهُ، كان لهُ أجرٌ واحدٌ، إلّا أنَّ اللهَ يُوفِّقُ من يشاءُ، ويتفضَّلُ على من يشاءُ.

وعلى حَسَبِ هذا، يَعْصي اللهَ تعالى منِ اجْتَمعت عليه فُرُوضٌ من وُجُوِهٍ فلم يُؤَدِّ شيئًا منها، وعِصيانُهُ لهُ أكثرُ من عِصيانِ من لم يجِبْ عليه إلّا بعضُ تلكَ الفُرُوضِ.

وقد سُئِل عبدُ الله بن العبّاسِ رضي الله عنهُ، عن رجُلٍ كثيرِ الحَسَناتِ كثيرِ السَّيِّئاتِ: أهُو أحبُّ إليكَ، أم رجُلٌ قليلُ الحسناتِ قليلُ السَّيِّئاتِ؟ فقال: ما أعدِلُ بالسَّلامةِ شيئًا (٣).


(١) الموطأ ٢/ ٥٧٧ (٢٨٠٩).
(٢) هذه اللفظة لم ترد في الأصل، وهي ثابتة في ظا.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٥٩١٥)، وهناد في الزهد (٩٠٢)، والبيهقي في شعب الإيمان (٧٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>