للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثالثٌ لهشام بنِ عُروةَ

مالكٌ (١)، عن هشام بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشة، أن الحارثَ بنَ هشام سألَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كيف يأتيك الوحيُ؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحيانًا يأتيني في مثل صَلْصَلَةِ الجرَس، وهو أشدُّه عليَّ، فيَفصِمُ عنِّي وقد وعَيتُ ما قال، وأحيانًا يَتمثَّلُ لي الملكُ رجلًا، فيُكلِّمُني فأعي ما يقول". قالت عائشة: ولقد رأيتُه يُنزَلُ (٢) عليه في اليوم الشَّديد البَرْد، فيفصِمُ عنه وإنّ جبينَه ليَتفصَّدُ عرَقًا.

في هذا الحديث دليلٌ على أن أصحابَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يسألونه عليه السلامُ عن كثير من المعاني، وكان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُجيبُهم ويُعلِّمُهم، وكانت طائفةٌ تسألُ، وطائفةٌ تحفظُ وتُؤدِّي وتُبلِّغُ، حتى أكمَل اللَّهُ دينَه، والحمدُ للَّه.

وفي هذا الحديث نوعان أو ثلاثةٌ من صفة نُزول الوحي عليه، وكيفية ذلك، وقد ورد في غيرِ ما أثر ضروبٌ من صفة الوحي حتى الرُّؤيا؛ فرُؤيا الأنبياء وحيٌ أيضًا، ولكن المقصدَ بهذا الحديث إلى نزول القرآن، واللَّهُ أعلم. وقد بيَّنا معنى هذا الحديث وشبهِه في باب إسحاقَ بنِ عبد اللَّه بن أبي طلحةَ من هذا الكتاب (٣). والحمدُ للَّه.

وأمّا قولُه: "صَلْصَلَة الجَرَس" فإنه أراد في مثل صوتِ الجرَس، والصَّلْصَلةُ: الصوت، يقال: صلْصلةُ الطَّسْت، وصَلْصلةُ الجرس، وصَلْصلةُ الفَخّار.

وقد روَى حمّادُ بنُ سَلَمة، عن عطاءِ بنِ السائب، عن سعيدِ بنِ جُبير، عن


(١) الموطّأ ١/ ٢٧٩ (٥٤٢).
(٢) الضبط من الأصل، وينظر تعليقنا على الموطأ، والزرقاني ٢/ ١٥.
(٣) سلف في الحديث الثامن له عن أنس رضي اللَّه عنه، وهو في الموطأ ٢/ ٥٤٥ (٢٧٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>