للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثانيَ عشرَ منَ البلاغات

مالكٌ (١)، أنه بَلَغه عن عامرِ بنِ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاص، عن أبيه، أنه قال: كان رَجُلان أخَوان، فهلَك أحدُهما قبلَ أن يهلِكَ صاحبُه بأربعين ليلة، فذُكِرتْ فضيلةُ الأول عندَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "ألم يكنِ الآخَرُ مُسلمًا؟ ". قالوا: بلى يا رسولَ الله، وكان لا بأسَ به. فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما يُدْرِيكُم ما بلَغتْ به صلاتُه؟ إنما مثَلُ الصلاةِ كمثلِ نَهَرٍ عَذْبٍ غَمْرٍ ببابِ أحدِكُم، يَقتحِمُ فيه كلَّ يوم خمسَ مرات، فما تَرَونَ ذلك يُبقي من دَرِنِه؟ فإنكم لا تدْرُونَ ما بلَغتْ به صلاتُه".

النهرُ الغمْرُ: الكثيرُ الماء، والدَّرَنُ: الوسَخُ. ويدُلُّ هذا الحديثُ -واللهُ أعلمُ- على أن العذْبَ مِن المياهِ أشدُّ إنقاءً للدَّرنِ من غير العَذْب، كما أنَّ الكثيرَ أنقَى من اليَسِير، وهذا مثَلٌ ضرَبه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- للصلاةِ يُخبرُ بأنها تُكفِّرُ ما قبلَها من الذُّنوب إذا اجتُنبتِ الكبائر، وقد مضَى هذا المعنى مجُوَّدًا في بابِ زيدِ بنِ أسلم (٢)، والحمدُ لله. والروايةُ الصحيحةُ: "يُبقي"؛ بالباءِ لا بالنون.

قال أبو عُمر: أما قصةُ الأخوين فليست تُحفظُ من حديثِ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاص إلا في مرسلِ مالك هذا، وقد أنكَره أبو بكرٍ البزارُ وقطَع بأنه لا يوجَدُ من حديثِ سَعْدٍ البتّة، وما كان ينبغي له أن يُنكِرَه؛ لأنَّ مراسيلَ مالكٍ أصولُها صِحاحٌ كلُّها، وجائزٌ أن يرويَ ذلك الحديثَ سعْدٌ وغيرُه، وقد رواه ابنُ وَهْبٍ عن مَخْرمةَ بنِ بُكير، عن أبيه، عن عامرِ بنِ سَعْد، عن أبيه مثلَ حديثِ مالكٍ سواء (٣).


(١) الموطّأ ١/ ٢٤٧ (٤٨٢).
(٢) في أثناء شرح الحديث التاسع له، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصُّنابحيِّ، وقد سلف في موضعه. وهو في الموطّأ ١/ ٦٧ (٦٦).
(٣) سيأتي بإسناد المصنِّف من هذا الوجه مع تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>