للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ تاسعَ عَشَر لأبي الزِّنادِ

مالكٌ (١)، عن أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَج، عن أبي هريرةَ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَمْشِينَّ أحدُكُم في نَعْلٍ واحِدةٍ، ليُنعلهما جميعًا، أو ليُحفِهِما جميعًا".

قال أبو عُمر: قولُهُ: "لِيُنعلهما جميعًا، أو ليُحفِهِما جميعًا". أرادَ القَدَمينِ، وهُما لم يتقدَّم لهما ذِكرٌ، وإنَّما تقدَّمَ ذِكرُ النَّعلِ، ولو أرادَ النَّعلينِ، لقال: ليَنْتعِلهما جميعًا، أو ليَحتَفِ منهُما جميعًا. وهذا مشهُور من لُغةِ العربِ، ومُتكرِّر في القُرآنِ كثِيرٌ، أن يأتي بضمِيرِ ما لم يتقدَّم ذِكرُهُ، لما يدُلُّ عليه فحوَى الخِطابِ.

ونهيُهُ - صلى الله عليه وسلم - عنِ المشيِ في نَعْلٍ واحِدةٍ، نهيُ أدَبٍ، لا نَهْي تحرِيم.

والأصلُ في هذا البابِ، أنَّ كلَّ ما كان في مِلكِكَ، فنُهِيتَ عن شيءٍ من تصرُّفِهِ والعَملِ به، فإنَّما هُو نَهْيُ أدبٍ، لأنَّهُ مِلكُكَ، تتصرَّفُ فيه كيفَ شِئتَ، ولكنَّ التَّصرُّف على سُنَّتِهِ لا يتعدَّى، وهذا بابٌ مُطَّرِدٌ، ما لم يكُن مِلكُك حيوانًا، فتُنْهى عن أذاهُ، فإنَّ أذَى المُسلِم في غيرِ حقِّهِ حرامٌ.

وأمّا النَّهيُ عمّا ليس في مِلكِك إذا نُهِيتَ عن تملُّكِهِ، أوِ استِباحتِهِ، إلّا على صِفَةٍ ما، في نِكاح، أو بَيْع، أوصيدٍ، أو نحو ذلك، فالنَّهيُ عنهُ نهيُ تحرِيم، فافهم هذا الأصل.

وقد مَضَى منهُ ما فيه دلالةٌ وكِفايةٌ، في بابِ إسماعيل بنِ أبي حَكِيم، عِندَ نَهْيِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع (٢). فلا وجهَ لإعادةِ ذلك هاهُنا.


(١) الموطأ ٢/ ٥٠٢ (٢٦٥٩).
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٦٤١ (١٤٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>