للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ تاسعُ أربعينَ لأبي الزِّنادِ

مالكٌ (١)، عن أبي الزِّنادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَعْقِدُ الشَّيطانُ على قافِيةِ رأسِ أحدِكُم إذا هُو نامَ ثلاث عُقَدٍ، يضرِبُ مكان كلِّ عُقْدةٍ: عليكَ ليلٌ طوِيلٌ فارقُد، فإنِ اسْتَيقظَ فذكر الله، انحلَّت عُقدةٌ، فإن تَوضَّأ انحلَّتْ عُقدةٌ، فإن صَلَّى انحلَّت عُقْدةٌ، فأصبَحَ نشِيطًا طيِّبَ النَّفسِ، وإلّا أصبَحَ خبِيثَ النَّفسِ كَسْلانَ".

هذا كما قال - صلى الله عليه وسلم -، واللّه أعلمُ كيف يَعقِدُ الشَّيطانُ عُقَدَه على (٢) رأسِ ابنِ آدم. وقيل: إنَّها كَعُقدِ السِّحرِ، من قولِ الله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: ٤] وهذا لا يَقِفُ على حَقِيقتِهِ أحَدٌ.

والقافِيةُ: مُؤَخَّرُ الرَّأسِ، وهُو القَذالُ، وقافِيةُ كلِّ شيءٍ آخِرُهُ، ومنهُ قيل لنبِيِّنا - صلى الله عليه وسلم -: المُقفَّى؛ لأنَّهُ آخِرُ الأنبِياءِ، ومن هذا أُخِذَتْ قوافِي الشِّعرِ، لأنَّها أواخِرُ الأبيّاتِ.

والمعنى عِندِي، واللّهُ أعلمُ، في هذا الحديثِ: أنَّ الشَّيطان يُنوِّمُ المرءَ، وَيزِيدُهُ ثِقلًا وكَسَلًا بسعيِهِ وما أُعطِي من الوَسْوسةِ، والقُدرر على الإغْواءِ والتَّضليلِ، وتزيِينِ الباطِلِ والعونِ عليه، إلّا عِبادَ الله المُخلَصِين.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ ذِكرَ الله يُطرَدُ به الشَّيطانُ.

وكذلك الوُضُوءُ والصَّلاةُ، ويحتَمِلُ أن يكون الذِّكرُ: الوُضُوءَ والصَّلاةَ، لما فيهِما معنى الذِّكرِ، تُخَصَّ بهذا الفَضْلِ في طَرْدِ الشَّيطانِ، ويَحتملُ أن يكون كذلك سائرُ أعمالِ البِرِّ، واللّهُ أعلمُ.


(١) الموطأ ١/ ٢٤٩ (٤٨٦).
(٢) قوله: "عقده على" سقط من م، وفي الأصل: "على"، والمثبت من د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>