للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ خامِسُ أربعين لنافع، عن ابن عُمرَ

مالكٌ (١)، عن نافع، عن ابن عُمرَ، أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من شرِبَ الخمرَ في الدُّنيا، فلم يَتُبْ منها، حُرِمَها في الآخِرةِ".

في هذا الحديثِ دليلٌ على تحريم الخَمْرِ، وعلى أنَّ شُرْبَها من الكبائرِ؛ لأنَّ هذا وَعيدٌ شَديدٌ يدُلُّ على حِرْمانِ دُخُولِ الجنَّةِ، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أخبَرَ أنَّ الجنّةَ فيها أنهارٌ من خَمْرٍ لذَّةٍ للشّارِبينَ (٢) {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} [الواقعة: ١٩].

والظّاهِرُ أنَّ من دخلَ الجنّةَ لا بُدَّ لهُ من شُربِ خَمْرِها، ولا يخلُو من حُرِمَ الخمرَ في الجنَّةِ، ولم يَشْرَبْها فيها، وهُو قد دخَلَها، مِنْ أن يكونَ يَعلَمُ أنَّ فيها خمرًا لذَّةً للشّارِبينَ، وأنَّهُ حُرِمَها عُقُوبةً، أو لا يكونَ يَعلَمُ بها، فإن يَكُن لا يعلمُ بها، فليسَ في هذا شيءٌ مِنَ الوَعيدِ؛ لأنَّهُ إذا لم يعلَمْ بها، ولم يَذْكُرها، ولا رآها، لم يجِدْ ألمَ فَقْدِها، فأيُّ عُقُوبةٍ في هذا؟ وَيسْتحيلُ أن يُخاطِبَ اللهُ ورسُولُهُ بما لا معنى لهُ.

وإن يَكُن عالِمًا بها، وبمَوْضِعِها، ثُمَّ يُحرَمُها عُقُوبةً لشُربِهِ لها في الدُّنيا إذ لم يَتُبْ منها قبلَ الموتِ، وعلى هذا جاءَ الحديثُ، فإن كان هذا هكذا، فقد لحِقَهُ حِينَئذٍ حُزْنٌ وهَمٌّ (٣) وغمٌّ لِما حُرِمَ من شُربِها (٤)، ويرَى غيرَهُ يشرَبُها، والجنَّةُ دارٌ لا حُزنَ فيها ولا غمَّ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} [الحجر: ٤٨]، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: ٣٤]، وقال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} [الزخرف: ٧١].


(١) الموطأ ٢/ ٤١٣ (٢٤٥٣).
(٢) يشير إلى الآية (١٥) من سورة محمد، ونصها: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}.
(٣) في بعض النسخ: "حزن شديد وهم"، والمثبت من الأصل وغيره.
(٤) بعد هذا في ظا: "هو"، ولم ترد في الأصل، د ٤، ولا معنى لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>