للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثالثٌ وعشرونَ لهشام بنِ عُروةَ

مالكٌ (١)، عن هشام بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: جاءَت بَريرةُ فقالت: إنِّي كاتَبتُ أهلي على تسع أوَاقيَّ، في كلِّ عام أُوقيّةٌ، فأعينيني. فقالت عائشة: إنّ أحَبَّ أهلُكِ أن أعُدَّها لهم وبكونَ ولاؤُكِ لي، فعَلتُ. فذهبتْ بَريرةُ إلى أهلِها، فقالت لهم ذلك، فأبوْا عليها، فجاءت من عندِ أهلِها ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ، فقالت لعائشة: إنِّي قد عرَضْتُ عليهم ذلك فأبَوا إلّا أن يكونَ الولاءُ لهم. فسمِع ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألها، فأخبَرتْه عائشةُ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذيها واشتَرطي لهُم الولاءَ، فإنَّما الولاءُ لمَن أعتَقَ"، ففعلتْ عائشةُ. ثم قامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، فحمِد اللهَ وأثنَى عليه، ثم قال: "أمّا بعدُ، فما بالُ رجال يَشترِطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرطٍ ليس في كتابِ الله فهو باطلٌ وإن كان مئةَ شرْط، قضاءُ الله أحَقُّ، وشرطُ الله أوثَقُ، وإنّما الولاءُ لمَن أعتَقَ".

قال أبو عُمر: الكلامُ في حديثِ بَريرَةَ قد سبق كثيرٌ من الناس إليه، وأكثَروا فيه من الاستنباط، فمنهم مَن جوَّد، ومنهم مَن خلَّط وأتى بما ليس له معنًى، كقول بعضهم: فيه إباحةُ البكاءِ في المحبّة؛ لبكاءِ زوجِ بَريرَة (٢). وفيه: قبولُ الهديّة بعدَ الغضَب. وفيه: إباحةُ أكل المرأةِ ما تحبُّ دونَ بعلِها. وفيه إباحةُ سؤالِ الرجُل عما يَراه في بيته من طعام، إلى كثيرٍ من مثلِ هذا القول الذي لا معنَى له في الفقهِ والعلم عندَ أحدٍ من العلماء.


(١) الموطّأ ٢/ ٣٣٤ (٢٢٦٥).
(٢) يشير إلى ما ذُكر عن ابن خزيمة وابن جرير الطبري من أنهما صنّفا فيه تصنيفين كبيرين، فأكثرا فيهما من استنباط الفوائد. قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٥/ ١٩٤: "ووقفت على كلام ابن جرير من كتابه تهذيب الآثار، ولخّصت منه ما تيسِّر بعون الله تعالى، وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربع مئة، أكثرها مُستَبعد متكلّف" وينظر: المجموع للنووي ١٤/ ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>