مالكٌ (١)، عن ابن شِهاب، عن أبي عُبيدٍ مولى ابن أزْهَرَ، عن أبي هُريرةَ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يُستجابُ لأحدِكُم ما لَمْ يَعْجَلْ، فيقولُ: قد دعَوتُ فلَمْ يُسْتَجبْ لي".
في هذا الحديثِ دليلٌ على خُصُوصِ قولِ الله عزَّ وجلَّ:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: ٦٥] وأنَّ الآية ليست على عُمُومِها، ألا تَرَى أنَّ هذه السُّنَّة الثّابِتة، خصَّت منها الدّاعي إذا عَجِل، فقال:"قد دعَوتُ، فلم يُسْتَجب لي؟ ".
والدَّليلُ على صِحَّةِ هذا التَّأويل، قولُ الله عزَّ وجلَّ:{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}[الأنعام: ٤١].
ولكِن قد رُوي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الإجابَةِ ومعناها، ما فيه غِنًى عن قولِ كلِّ قائل، وهُو حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال:"ما من مُسلِم يدعُو بدعَوةٍ ليسَ فيها إثمٌ، ولا قَطِيعةُ رَحِم، إلّا أعطاهُ اللهُ بها إحْدَى ثلاثٍ: فإمّا أن يُعجِّل لهُ دعوتَهُ، وإمّا أن يُؤخِّرها لهُ في الآخِرةِ، وإمّا أنَّ يُكَفِّر عنهُ، أو يكُفَّ عنهُ من السُّوءِ مِثلَها". وقد ذكَرَنا هذا الحديثَ بإسنادِهِ، في آخِرِ بابِ زيْدِ بن أسْلَمَ، من كِتابِنا هذا.
وفيه دليلٌ على أنَّهُ لا بُدَّ من الإجابَةِ على أحدِ هذه الأوجُهِ الثَّلاثةِ، فعَلَى هذا، يكونُ تأويلُ قولِ الله عزَّ وجلَّ - واللهُ أعلمُ -: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}[الأنعام: ٤١] أنَّهُ يَشاءُ، وأنَّهُ لا مُكْرِهَ لهُ، ويكونُ قولُهُ عزَّ وجلَّ:{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦] على ظاهِرِهِ وعُمُومِهِ، بتأويلِ حديثِ أبي