للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ سادسٌ لابنِ شهابٍ، عن عُروةَ

مالكٌ (١)، عن ابنِ شِهابٍ، عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ، عن عائشةَ، قالت: ما سَبَّحَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحةَ الضُّحَى قطُّ، وإنِّي لأسبِّحُها، وإن كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدَعُ العَمَلَ وهو يُحبُّ أن يعملَ به، خَشْيَةَ أنْ يَعْمَلَ به الناسُ فيُفرضَ عليهم.

أمَّا قولُها: سبَّحَ سُبحةَ الضُّحَى. فمعنَاه: صلَّى صلاةَ الضُّحَى. قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: ١٤٣]. قال المُفسِّرُون: مِن المصلِّينَ. إلَّا أنَّ أهلَ العلم لا يُوقعونَ اسمَ سُبحةٍ إلَّا على النافلةِ دُونَ الفريضةِ؛ لقولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "واجعَلُوا صَلاتَكم معَهم سُبحةً" (٢)، أي: نافلة.

وفي هذا الحديثِ مِن الفقْهِ: معرفةُ رأفةِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأمَّتِه ورحمتِه بهم، صلواتُ الله عليه وسلامُه، كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].

وأما قولُ عائشةَ: ما سبَّحَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبحةَ الضُّحَى قطُّ. فهو مما قلتُ لك، أنَّ مِن علم السُّننِ كثيرًا يُوجدُ عندَ بعضِ أهلِ العلم دونَ بعضٍ. فليس أحدٌ مِن الصحابةِ إلَّا وقد فاتَه مِن الحديثِ ما أحصَاه غيرُه، والإحاطةُ مُمتنعة،


(١) الموطأ ١/ ٢١٨ (٤١٧).
ورواه عن مالك: أبو مصعب الزُّهريّ (٤٠٤)، وعبد الرَّحمن بن القاسم (٣٧)، وعبد الرَّحمن بن مهدي عند أحمد ٤٢/ ٢٨٢ (٢٥٤٥١)، وعبد الله بن يوسف التِّنيِّسيّ عند البخاري (١١٢٨)، ويحيى بن يحيى النيسابوريّ عند مسلم (٧١٨) (٧٧)، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٥٠ (٥١١٠)، وعبد الله بن مسلمة القعنبي عند أبي داود (١٢٩٣)، وقتيبة بن سعيد عند النسائي في الكبرى ١/ ٢٦٦ (٤٨٢).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>