للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هشام عن عَبّاد بن عبد الله بن الزُّبير حديثٌ سادسٌ وثلاثونَ لهشام بنِ عُروة

مالكٌ (١)، عن هشام بنِ عُروة، عن عبّادِ بنِ عبدِ الله بنِ الزُّبير، أن عائشةَ زوجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أخبرَتْه، أنها سمِعَتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قبلَ أن يموتَ وهو مُستنِدٌ إلى صدرِها، وأصغَت إليه يقول: "اللهمَّ اغفِرْ لي وارحَمني، وألحِقْني بالرفيق الأعلى".

قال أبو عُمر: إذا كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقد غُفر له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر يدعُو بالرحمةِ والمغفرة، فغيرُه أوْلى ألّا يفتُرَ من الاستغفارِ وسؤالِ الرحمةِ من العزيزِ الغفّار، ألهَمنا الله لدُعائِه وسؤالِه، واللهُ لا يخيِّبُ مَن دَعاهُ، ولا يَحرِمُ سائلَه، ولقد أحسَن القائل، وهو عُبيدٌ (٢):

مَن يسألِ الناسَ يَحرِمُوه ... وسائلُ الله لا يَخيبُ

وأما قولُه في هذا الحديث: "وألحِقْني بالرفيق". فقيل: الرفيق: أعلى الجنّة. وقيل: الرفيق: الملائكةُ والأنبياءُ والصالحون، من قوله عزَّ وجلَّ: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩].

قال أهلُ اللغة: {رَفِيقًا} هاهنا بمعنى رُفَقاء، كما يقال: صديقٌ. بمعنى أصدقاء، وعدوٌّ. بمعنى أعداء (٣).


(١) الموطّأ ١/ ٣٢٦ (٦٣٩). وأخرجه مسلم (٢٤٤٤) (٨٥) عن قتيبة بن سعيد عن مالك، به.
(٢) يعني: عُبيدَ بنَ الأبرص، والبيت في ديوانه، ص ١٥.
(٣) وإلى هذا ذهب الفرّاء وأبو عُبيدة والزجّاج، قال الفرّاء في معاني القرآن له ١/ ٢٦٨: "إنّما وحّد (الرفيق) وهو صفة لجمع؛ لأن الرفيق والبريد والرّسول تذهبُ به العربُ إلى الواحد وإلى الجمع، فلذلك قال: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: حَسُن أولئك رجُلًا، ولا قبُحَ أولئك رجلًا، إنّما يجوز توحيد صفة الجمع إذا كان اسمًا مأخوذًا من فعل، ولم يكن اسمًا مصرّحًا، مثل: رجل وامرأة".
وردّ هذا التخصيصَ الزجّاج فقال في معاني القرآن وإعرابه ٢/ ٧٤ - ٧٥ بقوله: "ولا فرْق بين رجل ورجل في هذا المعنى، لأنّ الواحد في التمييز ينوب عن الجماعة، وكذلك في المواضع التي لا تكون إلّا جماعة، نحو قولك: هو أحسنُ فتًى وأجمله، المعنى: هو أحسنُ الفتيان وأجملُهم، وإذا كان الموضع الذي لا يُلْبِسُ ذِكْر الواحد فيه، فهو يُنبئ عن الجماعة". وينظر: مجاز القرآن لأبي عُبيدة ١/ ١٣١، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ١/ ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>