للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحيى عن أبي صالح حديثٌ خامسٌ وعشرون ليحيى بنِ سعيدٍ

مالكٌ (١)، عن يحيى بنِ سعيد، عن أبي صالح السَّمّان، عن أبي هُريرة، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأحْبَبْتُ ألّا أتخلَّفَ عن سِريّةِ تخرُجُ في سبيل الله، ولكنِّي لا أجدُ ما أحمِلُهم عليه، ولا يِجدُون ما يتحمَّلون عليه فيخرُجُون، ويشُقُّ عليهم أن يتخَلَّفُوا بَعدي، فودِدْتُ أني أقاتلُ في سبيل الله فأُقْتَلُ، ثم أُحْيا فأُقْتَلُ، ثم أُحْيا فأُقْتَلُ".

في هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ الجهادَ ليس بفرضٍ مُعيَّن على كلِّ أحدٍ في خاصَّته، ولو كان فَرْضًا معيَّنا ما تخلَّفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولو شقَّ على أمَّتِه، والجهادُ عندَنا بالغزواتِ والسَّرايا إلى أرضِ العدوِّ فرضٌ على الكِفاية، فإذا قامَ بذلك مَن فيه كفايةٌ ونِكَايةٌ للعدوِّ سقَط عن المتخلِّفين، فإذا أظلَّ العدوُّ بلدةً مقاتلًا لها تعيَّنَ الفَرضُ على كلِّ أحدٍ حينئذٍ في خاصَّته على قَدْرِ طاقتِه خفيفًا وثقيلًا، شابًّا وشيخًا، حتى يكونَ فيمن يُكابدُ العدوَّ كفايةٌ بهم.

ومن أوضَح شيء في أنَّ الجهادَ إلى أرض العدوِّ ليس بفرضٍ على الجميع قولُ الله عزَّ وجلَّ: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥]. وفي هذا إباحةُ القُعودِ والتخلُّف، وتفضيلُ المجاهدِ على القاعد، فصار الجهادُ فضيلةً لمن سبق إليه وقام به، لا فريضةً على الجميع.


(١) الموطّأ ١/ ٥٩٨ (١٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>